رقصٌ فوق الجثث
في لبنان صنفان من الناس. الأول بشرٌ برتبة أموات. هؤلاء ما زالوا تحت وقع الصدمة. تحاول أن تحدّثهم، أن تخفّف عنهم، أن تحمل جزءاً من ألمهم، لكن عبثاً تحاول.
كأن شيئاً ما فُقد منهم مع دوي انفجار بيروت في الرابع من آب 2020. تحولوا أجساداً بلا أرواح. يسيرون في الشوارع من دون وجهة. يحاولون النوم من دون النجاح. يلملمون شظايا أرواحهم ويبحثون بين الركام عن بقاياهم.
تحت أنقاض هذه الأرض المدمَّرة يتمسّكون ببصيص أمل بالعثور على مفقوديهم أحياءً. بين الزجاج المتناثر على الأرض، ترقد دموعهم معانقةً دماء من جُرحوا واستُشهدوا، ومن دُفنت أحلامهم وذكرياتهم بينها. لا كلام يصف الألم. لا مكان هنا لمستقبل مشرق.
رائحة الموت تعبق في المكان. لا مجال للقيامة هنا. لسنا بخير. جميعنا خسرنا. لن نعود كما كنّا أبداً.
تمضي الساعات ثقيلةً، ويثقل معها الألم. مضنٍ هذا البحث عن الأمل بين ركام الخيبات. كان الله في عون هذا الصنف.
بين الزجاج المتناثر على الأرض، ترقد دموعهم معانقةً دماء من جُرحوا واستُشهدوا، ومن دُفنت أحلامهم وذكرياتهم بينها
على المقلب الآخر، وضمن حدود البلاد نفسها، يعيش مواطنون برتبة شياطين موت. هؤلاء يرقصون فوق جثث ضحايانا. لم تتوقف الحياة عندهم، ولم يهزّهم هول مصاب بيروت بأهلها وشوارعها. لا إحساس لديهم. معدومو الحياء والأخلاق هم. نقلوا السهرات إلى شرفات منازلهم، واستمرّوا بالرقص والغناء كأنّ ما حصل حادث عرضي، وكأنّ من فقدوا حيواتهم مجرّد أرقام تكبر مع مرور الساعات.
هؤلاء أشباه بشر، في الشكل فقط لا غير. هؤلاء يوازون بقلّة حيائهم من قتلوا مدينة بأكملها، ومحوها عن بكرة أبيها. هؤلاء أيضاً لن ننساهم يوم يأتي الحساب.