معركة جديدة مع الاكتئاب
أعود بعد غدٍ إلى كرسي ضربتني فيه صاعقة قبل عامٍ وأربعة أشهر. أعود إلى عيادة الطبيب النفسي التي خاصمتها لأشهرٍ، وأنا أقنع نفسي، بعدما تخلّيت عن مضادات الاكتئاب بحجة النسيان، بأنّني بخير.
ظننتُ يوم عدتُ لنشاطاتي اليومية المعتادة بقلبٍ لا يشعر بالثقل، وأنا لستُ بشخص اجتماعي جداً، أنّني هزمتُ الاكتئاب. لكن يحدث كثيراً أن تتآلف مع المرض، لدرجة أن يصبح جزءاً منك. يجلس إلى مائدتك كلّ يوم، يتناول معك القهوة، وينام في سريرك.
أشعر اليوم أنّني أخوض معركة جديدة مع الاكتئاب. أعرف أعراضه جيداً. عاصرتها لأشهر طويلة قبل أن أسمع التشخيص الطبي. لا أعرف إذا كان صحياً أن تكون واعياً بمشاعرك ومدركاً لها، لكنّني أعلم بالتأكيد، أنّ الأمر منهكٌ.
عندما أبدأ يومي في العمل، أجدني أتوق للعودة إلى المنزل، إلى فراشي تحديداً، لأنعزل مع أفكاري التي أمضيت يومي كلّه وأنا أحاول الهرب منها، تارةً في المزاح مع زملائي في المكتب، وتارةً أخرى في البكاء وحيدةً في الحمّام. حتّى إنّني أرغب في ترك عملي، وأصدقائي، وعائلتي، وأن أغرق في سريري، مع أفكاري، حتّى يهدأ الألم.
أعرف جيداً ماذا يعني أن أنظر في المرآة ولا أجدني، أو أن أخاف حتّى النظر فيها. من هذه الشابة التي تقف في وجهي؟ ولماذا أعجز عن التعرّف إليها؟ متى أصبحت أنا وتلك التي أنظر إليها في المرآة شخصين مختلفين؟ هل هذا ما يفعله الحزن بنا؟
يجلس الاكتئاب إلى مائدتك كلّ يوم، يتناول معك القهوة، وينام في سريرك
تخيّلوا أنّه قد ينتهي النهار قبل أن أتنبّه أنني نسيت أن أغسل وجهي أو أن أنظف أسناني. أريد فقط أن تحتضنني وسادتي حتّى أختفي، أو يختفي الألم، لا أعرف. لم أعد أميّز بيننا.
أعرف أنّ ما أشعر به يعود في الأساس إلى التغيّرات الكبيرة التي حصلت في حياتي في الفترة الأخيرة، والتي حرّكتها جائحة كورونا. وأنا، أعترف، لا أجيد التعامل مع التغيير. لقد عشتُ حياتي كلّها، حتى سنّ الثلاثين، في "منطقة آمنة" صنعتها لنفسي، ظناً منّي أنّي وجدتُ فيها راحتي. لكنّني أعلم أنّه فاتني الكثير، وترعبني فكرة أن أعجز عن تعويضه.
أعلم أنّني بعد غدٍ، عندما أجلس في عيادة الطبيب النفسي، سأجهش بالبكاء. لم أعد أستطيع أصلاً الحديث عن مشاعري وأفكاري من دون أن أبكي. أتوقّع أنّه سيصف لي مجدّداً مضادات الاكتئاب. أعرف جيداً هذه السحابة السوداء التي تحيط بي. ستعود حبّة، بحجم حبّة القمح، لتصاحبني في يومياتي، ستكون وحدها القادرة على انتشالي من عتمتي. لكن لا بأس. مواجهة الاكتئاب حربٌ، وسبق أن خرجت من إحدى معاركها منتصرةً. سأنتصر هذه المرّة أيضاً... سأنتصر، أليس كذلك؟!