وجهُ الإنسان
عرفتُ وجه ذلك الرجل ومحيّاه، فور التقيته.
نعم هو ديوجين نفسه.
بادرته متسائلاً: أين مصباحك؟
فضحِك وهو يحمل شيئاً يشبه ثمرة جوز الهند:
قنبلة.
وجه الإنسان لا يصفو ولا يتّضح إلّا في ضوء انفجار القنبلة، أجاب ديوجين.
■ ■ ■
حياة
السواحل التي لم تبلّلها الأمواج والخدود التي لم ترطّبها الدموع ينبغي وضعها صوراً للرزنامة.
فالحياة لا تحتاج إليها.
■ ■ ■
ثمنُ الدمع
لا يضيع سدى تنفسّك الصعداء،
لأن أنفاسك تتحوّل إلى بخار، ثم تمسّ جبلاً هو "أنا" لتمطر
لكنت أصبحت ثرياً لو بعتَ بنقودٍ تلك الدموع.
■ ■ ■
اللغة
لا تحتاج اللغة إلى الأصوات والحروف.
ولم تكُ وسيلة للقراءة أو السّماع.
بل اللغة هي ما يسيل من العين إلى الخدّين.
■ ■ ■
الفارق
أنت تضع المصباح للإله
وأنا أذوب وأتوهّج أمام الإله.
■ ■ ■
الجذر
ممكن أن يُمحى الاسم بخلاف الجذر،
وهو لا ينمحي، إذا أقلع أدمي.
فتكون حكاية قاص ذي جذر
أكثر دماً ونزفاً من حكاية قاص ذي اسم.
■ ■ ■
البحر
ليس في أحشائنا الأمعاء فحسب،
بل فيها بحر.
ولا يطيق أحد أن يشقّه بسكين صارم،
لعرض موجه وزَبَده.
■ ■ ■
الكلمات لك
الأولى
أوقد المصباح لك
لا لإبصارك ولا لتبصيرك
بل لرؤيتي لنفسي.
وأناديك بأعلى الصوت،
لا لتسمع ولا لتسمع أحداً،
بل لأسمع لنفسي.
■
الثانية
تبقى قريباً منّي كلّما ازددتَ بُعداً عنّي،
ربما يصل إليَّ نداؤك بعد سبعين أو ثمانين سنة،
فأفرّ إليك لتلبية ندائك.
■
الثالثة
رغم أني أحرقت أجنحتي في ضوئك المتّقد،
سأزحف للوصول إليك بلا أجنحة.
ثم أفني نفسي لأذوب فيك.
■ ■ ■
الأصداف
أحسن القصص والأشعار هي التي لم تُكتَب حتى الآن. بعدما تألّمت الأحشاء وتأجّجت الكلمات، يتراكم بخار المفردات في السماء، ثم يتحوّل إلى مطر من أجل ريح آتية من النفس الجوّانية، فالصدفة التي تستقبل أولى قطرات المطر، تجعل منه لؤلؤة. وبعد الانتظار الطويل، يُخرِج الشاعر أو القاص اللؤلؤة من الصدفة. ذلك ملكه الذي لا يُشرك فيه أحداً.
■ ■ ■
حديقة الحيوانات
مرّةً توجّه رجلٌ مع حفيده لمشاهدة حديقة الحيوانات. وفي ذلك القفص أسد يزأر، فضمّ الحفيد نفسَه إلى جدّه مرعوباً مِن زئيره. وفي الققص الآخر ظبي، فإذا عيناه توحي باللطف وتعبيرات الحنان. ثم سيرى ببغاء في قفصه فيضرب الحفيد بجناحيه، حتى وصلا إلى قفص خال، فدخل الرجل إليه فجأةً وأغلق بابه.
■ ■ ■
العنوان
نحن رسائل لم يُكتب العنوان على غلافها.
ولذلك ترد إلى الإله المرسل لها.
فالحياة تجوال للبحث عن عنوانها.
والأرباب لم تكتُب عليها عنوانها الصحيح.
■ ■ ■
حينما شدّ الرحيل
خارج ذلك المنعرج، تقوم ليلة مضيئة ملتهبة، وشمس تُشعّ ظلاماً. ولا يليق بأحد أن يغسل بالدموع من يريد مشاهدتها وأن يجفّفها بالأنين وأن يكسوها بملابس الكآبة والحزن.
■ ■ ■
الرفعة
أنا الآن في مكان مرتفع قريب من السماء. منذ نعومة أظفاري سمعت والديّ ينصحانني أن أسمو رفعةً وعلوّاً. جعلاني ألتحق بهذا المكان لأصير ذا قدر رفيع بعد إتمام الدراسة. هدفهما الوحيد لتأسيس هذا المعهد هو تسهيل الطرق على أبنائي وزوجتي لبلوغ المكانة السامية. لم أر بُدّاً من الحصول على الرسوم الغالية لتحقيق هذا الأمل. فالأعزّة منذ قديم الزمان كانوا ذوي منزلة عالية. إذا فترت عيونهم نتيجة إطالة البحث عن بلوغ جبل أعظم من جبل إيفرست، سيكفكفون دموعهم بمناشف "الكدر".
هذا العالم يقوم مقام عنق زرافة، حيث يوجّه الجميع نظرهم ورغبتهم في الرفعة. ولذلك أريد أن أصرّح لكم بقولي: أطير من المكان المرتفع إلى الشمس، إذا سقطت أجنحتي المحترقة، فأنتم الذين تقرؤون هذه السطور مسؤولون عن أحلامكم وتفكيركم الدائم في الرفعة، فجميعكم مجرمون. والإله يرصد هذه الأمور كلها مستوياً على عرشه السامق.
* كاتب قصة وروائي هندي من ولاية كيرَالا
** ترجمة عن المالايالم محمد حارث الوافي