رشاوى وتحرش وأشباح في جامعات مغربية

26 يناير 2019
في جامعة فاس (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
بين فترة وأخرى تتفجر داخل عدد من الجامعات المغربية "فضائح" يكشف عنها طلاب وطالبات، لتصل إلى ردهات القضاء. من ذلك قضية "النقط مقابل الجنس"، وملف "الماستر مقابل المال".

برزت مؤخراً قضية تتمثل في اكتشاف "طلاب أشباح" في إحدى الجامعات الكبرى، أغلبهم يقيمون في الخارج، لكنّهم بالرغم من ذلك حصلوا على شهادات "الماستر" بعد دفعهم أموالاً، فضلاً عن حديث عن وجود خروقات في التوظيف في هذه المؤسسة الجامعية.

وكانت إحدى كليات جامعة مدينة فاس مسرحاً للقضية التي ما زالت في المحكمة، وبطلها أستاذ منسق للماستر. وتجري فيها متابعة 12 شخصاً آخرين، منهم طالب دكتوراه كان يلعب دور الوسيط بين الطلاب والأستاذ في جمع المال مقابل تسجيلهم. وكانت الأدلة عبارة عن مكالمات هاتفية، ومن بينها تسجيل صوتي انتشر بين المغاربة، ورسائل إلكترونية، واعترافات طلاب بأنّهم سددوا أموالاً مقابل التسجيل في الماستر. ويتمسك المتهمون، وهم الأستاذ الجامعي وطالب الدكتوراه وآخرون بأنّهم لم يفعلوا شيئاً.




وفي الوقت الذي لم تتكشف فيه خيوط هذه القضية التي تعد بكثير من المفاجآت، وما زالت رهن بحث السلطات المعنية، فإنّ فضيحة "النقط مقابل الجنس" هزت المغاربة قبل أشهر. ملخصها أنّ طالبات اتهمن أستاذاً في إحدى الجامعات في شمال البلاد بأنّه كان يطلب منهن أداء "خدمات جنسية" مقابل الحصول على نقط مرتفعة في الامتحانات. وفي الوقت الذي اتهمت فيه طالبات الأستاذ بكونه يستغل منصبه للابتزاز، دانته المحكمة قبل أسابيع بتهمة التحرش الجنسي وأسقطت عنه تهمة الابتزاز، بينما ما زالت القضية الآن رهن مرحلة الاستئناف.

في مدينة المحمدية، غربي البلاد، اشتعلت قضية أخرى، تتعلق باتهام طالبة، وهي زوجة محامٍ معروف، لأستاذ جامعي بالتحرش الجنسي بها مقابل منح نقط مرتفعة في الامتحانات. وتقول الطالبة إنّ هناك طالبات غيرها يتعرضن للسلوك نفسه، لكنّهن يخشين الاعتراف بسبب نظرة المجتمع أو انتقام الأساتذة.

تقول "فاطمة س" وهي طالبة سبق لها التعرض للتحرش الجنسي من طرف أستاذ في إحدى الجامعات الكبرى بالمغرب، لـ"العربي الجديد" إنّ كلّ ما أثير في الإعلام من اتهامات لبعض الأساتذة الجامعيين وليس كلهم، هو أمر واقع ولا يمكن إنكاره، بدليل أنّها وجدت نفسها أمام أستاذ يمتحنها في مادة شفوية، وطلب منها "خدمة جنسية" مقابل أن يمنحها 20 على 20، وإن رفضت هددها بوضع صفر على عشرين. تتابع أنّها صدت الأستاذ المتحرش عن فعلته، ورفضت منحه ما يطلب، لتفاجأ بكونه وضع لها علامة راسبة، ما دفعها إلى الشكوى ضده، لكنّ أحداً لم يصدقها لعدم امتلاكها دليلاً موثقاً، كتسجيل صوتي أو غيره. تضيف أنّها حثت طالبات أخريات على البوح بما يتعرضن له، لكنّهن خفن من رسوبهن في الاختبار الشفوي الذي يشرف عليه الأستاذ المعني.

الدكتور إدريس لكريني، الأستاذ في جامعة "القاضي عياش" بمراكش، يقول إنّ الجامعات هي مؤسسات لإنتاج النخب والفكر والعلم، ويفترض فيها أن تشكّل نموذجاً في التدبير المؤسسي، والاستئثار بتحمل المهام النبيلة، وتقديم الرسائل الراقية في التواصل الإنساني المثمر. يتابع أنّ "وسائل الإعلام تحمل أخباراً عن اختلالات أخلاقية وتدبيرية تعتري الفضاء الجامعي، وبغضّ النظر عن حقيقة هذه المعطيات وأطرافها، أو عدم حقيقتها، والتي تظلّ فيها الكلمة الفصل للسلطة القضائية، يمكن القول إن تفشّي هذه المظاهر يسيء إلى الجامعة عموماً، ويضع مخرجاتها ومصداقيتها ومكانتها داخل المجتمع قيد التساؤل والشكّ". يتابع في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ هذا المعطى يعدّ "عاملاً إضافياً يسهم من جانبه في تراجع أدوار هذه المؤسسات الجامعية، ويضعف مخرجاتها وحضورها، ويكرّس تلك الوضعية الصعبة لقطاعي التعليم والبحث العلمي في البلاد".




ويشدد لكريني على أنّ "القطع مع هذه المظاهر المسيئة للمؤسسات التعليمية العليا، يقتضي في البداية تفعيل الآليات الجامعية على مستوى المواكبة والتأديب، فيما تظل مهمة القضاء أساسية كلما ظهرت انحرافات وخروق للقانون"، على حد تعبيره. يستدرك أنّه "في المقابل هناك صورة نمطية تكرسها بعض وسائل الإعلام، عن قصد أو عن غيره، حول هذه المؤسسات ونخبها الجامعية بتعميم هذه السلوكات من دون تمييز، مع المبالغة في التركيز على الاختلالات، وعدم الالتفات إلى ما يبذله كثير من الباحثين المجدّين من جهود في سبيل الرقي بهذه المؤسسات وبالبحث العلمي بشكل عام بالرغم من ضعف الإمكانيات".