كشف أمين صندوق نقابة الأطباء المصرية محمد عبد الحميد، عن تقدم 3500 طبيب باستقالته بشكل رسمي من وزارة الصحة في عام 2019، مقارنة بنحو 2600 طبيب خلال عام 2018، و2050 طبيبا في عام 2017، محذراً من ارتفاع وتيرة استقالات الأطباء خلال العام الجاري، لا سيما بعد وفاة ثلاث طبيبات أثناء قدومهن من محافظة المنيا إلى القاهرة، وهو الحادث الذي كشف بوضوح التعسف الإداري داخل الوزارة.
وقال عبد الحميد في بيان صادر عن النقابة، إن الأطباء يتلقون أوامر إدارية مفاجئة بالانتداب في محافظة أخرى قبل السفر بيوم واحد فقط، من دون مراعاة ظروفهم الصحية أو الاجتماعية، تحت ذريعة "حاجة العمل"، موضحاً أنه في حالة رفض الطبيب تنفيذ القرار الصادر من الوزارة "يتعرض إلى جميع أنواع التعسف، مثل الجزاء أو النقل إلى محافظات بعيدة، وفي بعض الأحيان الفصل من الوظيفة".
وأضاف عبد الحميد: "لا يوجد مقابل مادي للنقل أو الانتداب، ويحصل الطبيب على نفس مرتبه من دون أي زيادة، بل ويتحمل تكاليف انتقاله على حسابه الشخصي، وهذا ما حدث مع طبيبات المنيا، واللاتي استأجرن ميكروباص خاصا على حسابهن، حتى ينقلهن إلى مكان التدريب في القاهرة"، مستدركاً أن "هناك ضرورة في تدريب الأطباء، ولكن من دون مركزية للتدريب في العاصمة".
وتابع أن طبيبات المنيا تم إلزامهن بالسفر إلى القاهرة للتدريب على "فحص الثدي"، و"هذا التدريب كان من الممكن أن يحصلن عليه في جامعة المنيا، أو في مركز أورام المنيا، من دون الحاجة للسفر إلى محافظة بعيدة عنهن"، منوهاً إلى أن "تحسن المنظومة الصحية في مصر لا بد وأن يصاحبه تحسن في بيئة عمل الأطباء".
وزاد عبد الحميد: "على سبيل المثال هناك السكن غير الآدمي للأطباء، بالرغم من إعلان وزارة الصحة في عام 2018 عن مسابقة بجائزة 100 ألف جنيه لتطوير وتحسين سكن الأطباء والتمريض، ولكن حتى الآن لا توجد أي نتائج لهذه المسابقة، ونتذكر في هذا الصدد الدكتورة سارة أبو بكر، والتي توفيت في سكن الأطباء نتيجة إصابتها بصعق كهربائي، من جراء تلامس الأسلاك في سخان الحمام".
وواصل في البيان: "هناك قانون صدر في عام 2014 ينص على تحمل جهة العمل مصاريف الدراسات العليا، ولكنه لم ينفذ حتى الآن، رغم أن وزيرة الصحة أصدرت قرارات لتفعيل هذا القانون عند تعيينها في منصبها، ولكن حتى الآن الطبيب هو من يتحمل مصاريف الدراسات العليا المرتفعة على نفقته الخاصة".
وشدد عبد الحميد على أهمية تحسين رواتب الأطباء، وزيادة بدل العدوى المتدني، والبالغ 19 جنيهاً شهرياً فقط، خصوصاً أن هناك وفيات كثيرة بين صفوف الأطباء بسبب العدوى، بينهم الطبيبان أحمد عبد اللطيف، وداليا محرز، لافتاً إلى أن الزيادات القليلة التي أقرها القانون رقم 14 لسنة 2014 على رواتب الأطباء "لا تساوى شيئاً الآن".
وتساءل في البيان: "كيف سيتم تعويض طبيبات المنيا، وأسرهن، عن هذا الحادث الأليم؟ فهناك طبيبة فقدت جنينها، وتم استئصال رحمها بسبب الحادث، وأخرى تُجرى لها عملية خطيرة في الظهر، وقد لا تستطيع الحركة بعد ذلك، ناهيك عن الشهيدات الثلاث، واللواتي كانت إحداهن حديثة الزواج، وعلمت بحملها في طفلها الأول قبل الحادث بأيام قليلة".
واستنكر أمين صندوق نقابة الأطباء موقف وزيرة الصحة، والتي تأخرت في زيارة الطبيبات المصابات، ولم تقم بزيارتهن إلا في وقت متأخر، وقيل إن السبب في ذلك هو مرضها، وإنها نزيلة بأحد المستشفيات "غير الحكومية"، متسائلاً: "ألم يكن من الأولى أن تُعالج وزيرة الصحة بنفس المستشفى الذي تُعالج فيه طبيبات المنيا؟ إن كان لديها ثقة في مستشفيات الوزارة؟!".
وتواجه مصر عجزاً كبيراً في أعداد الأطباء، لا سيما في مناطق الصعيد والمحافظات الحدودية، نتيجة استقالة الآلاف من الأطباء رسمياً من وزارة الصحة خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب ضعف الإمكانات في المستشفيات العامة، وتعرضهم لاعتداءات جسدية ولفظية في أقسام الطوارئ، إلى جانب تدني رواتبهم، وسوء توزيع الأطباء بين المحافظات.
وحسب إحصائيات حكومية، تبلغ نسبة الأطباء المستقرين في القاهرة نحو 45% من إجمالي عدد الأطباء في مصر، في حين يتواجد 450 وحدة صحية في محافظات الدلتا والصعيد من دون طبيب، أي ما يعني حرمان نحو 1500 قرية مصرية من الرعاية الصحية، على وقع هجرة الكثير من الأطباء إلى خارج البلاد هرباً من بيئة العمل غير المؤهلة في مصر.