وفي سؤال حول إمكانية أن يكون الشاهد شريكاً استراتيجياً مستقبلياً لحركة "النهضة" في ظلّ الحديث عن مشروعه السياسي المرتقب، أكد الغنوشي أنّ "الشراكة في المستقبل تحتاج إلى برمجة، وهو ما لم يتم إلى حدّ الآن"، مؤكداً أنّ "لا وجود لعقد شراكة بيننا وبين رئيس الحكومة".
هذه التصريحات وصفتها مصادر خاصة، في حديث مع "العربي الجديد"، بالشروط الضرورية لاستمرار دعم "النهضة" للشاهد، وإمكانية عودتها إلى أوضاع ما قبل انتخابات 2014، عندما تمّ الاتفاق على حكومة محايدة تمهّد للانتخابات، وتمّ منع رئيس الحكومة آنذاك، مهدي جمعة، من الترشّح للانتخابات. كذلك، قالت المصادر إنّ تصريحات الغنوشي، قد تشكّل رسالة للسبسي والشاهد في الوقت نفسه، أي أنّها تفتح الباب من جديد مع رئيس الجمهورية الذي يعتبر إبعاد رئيس الحكومة شرطاً ضرورياً لعودة التوافق.
وأضافت المصادر أنّ اللقاء الذي جمع الغنوشي بالسبسي قبل أيام، بطلب من الأوّل، لم يكن ناجحاً وانتهى إلى النتائج السابقة نفسها، بل حمل تلميحات بإمكانية تعطّل الانتخابات إذا لم يتم التوصّل إلى انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وهو ما يُعتبر أمراً مستحيلاً في ظلّ غياب التوافق، إلا إذا تمّ تغيير القانون الخاص بها أصلاً من أغلبية بالثلثين إلى أغلبية مطلقة بـ109 أصوات فقط.
ويلتقي هذا التفصيل مع إشارة السفير الأميركي الجديد، دونالد بلوم، الذي أكد في خطاب تعيينه أخيراً، أنه سيعمل على "وضع اللمسات الأخيرة على المحكمة الدستورية، ومحاربة الفساد، وضمان ألا تؤثر خطوات تحسين المساءلة في القطاع الخاص على المجتمع المدني والنشاطات غير الحكومية". كما أكّد أنه "ستتم مراقبة الانتخابات المقررة العام المقبل، كمؤشر على نضوج الديمقراطية التونسية وقوتها"، بما يعني أنّ المحكمة الدستورية أصبحت شريكاً ضرورياً للانتخابات، رغم أنّ جهات قانونية تونسية لا ترى ذلك ضرورياً.
إلى ذلك، اعتبرت المصادر أنّ تأكيد الشروط الجديدة لـ"النهضة" بشأن الشاهد، "قد يعكس تخوّفات لدى دوائر في الحركة من تنامي صعود الأخير، في ظلّ عدم وجود اتفاقات صلبة بين الطرفين، على نقيض ما كان عليه الوضع مع السبسي".
وفي هذا الإطار، أصرّ الغنوشي مرة أخرى على تواصل التوافق مع السبسي، رغم الضغوط الكبيرة التي يسلطها الأخير على "النهضة" وإدخالها عنوة في مربع الاتهامات، التي دحضها الغنوشي، معتبراً أنها اتهامات سياسية ومحاكمات تلفزيونية وابتزاز للقضاء. وأكّد أنّ الأخير (القضاء) سيثبت ألا أساس لهذه الاتهامات، مهدداً بأنّ محاولة إقصاء "النهضة" من الانتخابات المقبلة قد تضرّ بالصورة الديمقراطية لتونس.
وطمأن الغنوشي كثيرين، ومن بينهم الرئيس السبسي ربما، بالإشارة إلى أن "لا طموحات لديه للانتخابات الرئاسية"، مؤكداً أنّ الأرجح هو دعم مرشح آخر، ما يعيد الحركة إلى موقع القوة وإلى دائرة المتحكّم في نتائج هذه الانتخابات، وهو ما تذهب إليه جهات كثيرة في "النهضة" وتفضّله على ترشيح عضو منها.
وقالت المصادر إنّ خطاب الغنوشي عكس في الوقت نفسه، إعادة ترتيب الأوراق من جهة، وتخوفات من جهة أخرى، وإنّ وجود الحركة في موقع الوسط بين السبسي والشاهد في ضوء هذه المعركة الطاحنة بين الطرفين، "قد أضرّ بها كثيراً وجعلها مرتبكة بينهما في وقت حساس للغاية". وأشارت المصادر إلى "إمكانية إحداث تغييرات حقيقية إذا توضّحت نوايا الشاهد الحزبية، خصوصاً أنّ السبسي رغم كل الضغوطات التي سلطها على النهضة، ترك الباب مفتوحاً للعودة، بالإضافة إلى أنّ جهات دولية وإقليمية منزعجة من نتائج سقوط التوافق في تونس ونتائجه التي تسببت في ضبابية المشهد السياسي وعدم وضوح الرؤية". ولكن المصادر تساءلت عن شروط هذه العودة وضماناتها، وكيف يمكن أن تتواصل في ظلّ تراجع الثقة بين الطرفين؟ كما تساءلت عن توقيتها وشكلها بما يضمن كرامة الأطراف كافة.