رداً على الجائحة

23 فبراير 2017
(من المظاهرة، تصوير: جوسيب لاغو)
+ الخط -

في الوقت الذي تنام فيه شعوبُ أوروبا عن مآسي اللاجئين، ها هي برشلونة تستيقظ لتقرع الجرس. منذ أيام، وبريدي يتلقى رسائل من مثقفين كتالان ولاتينيين، لنشارك سوية في المظاهرة المزمع حدوثها.

ومساء الأحد الماضي، خرجتُ مع فينزوليين وسلفادوريين من بيت اللجوء، وتوجّهنا قبل الموعد نحو محطة القطار. قطارات تتوقف وتفتح أبوابها، فلا نركب. حتى خشينا من التأخر، فركبنا كيفما اتفق، في ذلك الزحام الفريد (لا يحدث عادة سوى في مناسبات سياسية تمسّ العَصَب).

انطلقت المظاهرة عند الرابعة عصراً من ساحة كتالونيا وسط المدينة، وكنت أبتعد بضعة أمتار عن أصدقاء تواعدت معهم، فلم أستطع الوصول إليهم خلال ساعة. وكلّ مواعيدي السابقة مع غيرهم تبخّرت في الهواء.

ذلك أنّ هذا الحشد الذي أعلنت جهة معلومة تابعة لحكومة مدريد، أنه لم يتعدَّ الـ 150 ألف متظاهر، تجاوز الـ 300 ألف، حسب الجهات والجمعيات الأهلية المنظِّمة (200 جمعية).

من ساحة كتالونيا مروراً بشارع فيالايتانا وصولاً لشاطىء البحر شرقاً، كانت الناس عبارة عن أمواج متلاحمة لا فجوات بينها. عائلات بأكملها، وشيبٌ وشبان وذوو احتياجات خاصة، يهتفون للاجئين ويطالبون حكومة مدريد بفتح الأبواب وجهوزية كتالونيا لاستيعاب أي عدد يصل منهم.

وكانت تلك الحكومة تنصّلت عن وعد قطعته سابقاً باستقبال 17 ألف لاجئ فلم تستقبل منهم حتى اللحظة سوى ألف ومئة لا غير!

وأنا، في الحقيقة دهشت وانفعلت بحماس الناس وهم يهتفون أحياناً بعبارات مزلزلة ضد سياسات اليمين الإسباني.

وقد حدثَ فرافقت مجموعة من الصبايا على امتداد فيالايتانا ولاحظت في نهايته أنّ أصواتهنّ بُحّت وهن يهتفن من قحف قلوبهن أن: "لا أحد غير شرعي"، "نريد أفعالاً لا أقوالاً"، "بلادنا بلادكم"، "إفتحوا الأبواب" "كُفّوا عن إنفاق المال لبناء الأسوار"، "ترامب، إلى الجحيم!".

حتى انبثق في بالي الخاطرُ: " كل مظاهرة لا تؤنّث لا يعوّل عليها". وهذا ما يحدث دوماً، ففي كل مظاهرة أشهدها هنا تفوق أعدادُ الإناث أعدادَ الذكور.

ويوماً بعد يوم، تُثبت برشلونة واقعاً لا شعارات أنها آخر قلعة لليسار الأوروبي. وأنها على تماس مع قضايانا وقضايا معذّبي الأرض حيثما كانوا.

وما انتخاب آدا كولاو عمدة للمدينة، إلا استجابة لرغبات منتخبيها، وخصوصاً الشباب منهم. هذه الفئة العمرية التي تُفرح القلب بيقظتها وانتباهها المرهف لما يجري في العالم.

وأظن أن هذه السيدة لم تبالغ حين قالت في المظاهرة: "إذا تنامت كراهية الأجانب فى أوروبا، فإن برشلونة ستكون عاصمة الأمل لهم وعاصمة الدفاع عن قضاياهم"، و"نحن مصرّون على وضع ميثاق جماعي لحقوق اللاجئين والمهاجرين في القارّة".

أما المثقفون والفنانون فلم يتأخّروا، حيث حضرت أنشطتُهم بكثافة، في مسارح الأحياء والمدارس الخاصة والعامة، ومنذ أيام تجري حفلات موسيقى وغناء وإلقاء قصائد في عشرات الأمكنة. رداً على جائحة اليمين الأوروبي.

* كاتب وشاعر فلسطيني مقيم في برشلونة

المساهمون