رحيل نادية صالح... عن غياب إعلاميات الثقافة

10 نوفمبر 2018
نادية صالح
+ الخط -
رحلت أمس الإعلامية المصرية ناديا صالح (1940-2018) بعد أن صارعت المرض لفترة طويلة، تاركة ذاكرة ربطت الثقافة بوسيلة الإعلام الجماهيرية؛ الإذاعة.

عُرفت صالح بعدّة برامج حوارية مع الكتّاب والمثقفين والفنانين، لكن أشهرها كان برنامج "زيارة لمكتبة فلان" الإذاعي، وفيه كانت تذهب إلى منزل أحد المثقفين وتستكشف قراءاته وكتبه المفضّلة وذكرياته مع هذه الكتب وأجزاء من سيرته.

في هذا البرنامج، الذي أصبحت حلقاته في أرشيف يوتيوب، أجرت صالح مقابلات في مكتبة عبد الحليم حافظ، وأنيس منصور، وصلاح جاهين، ومحمد عبد الوهاب، ونجيب محفوظ، وعمار الشريعي، وفاروق شوشة (وكان أيضاً صاحب برنامج ثقافي بعنوان "أمسية ثقافية)، وسيد عويس، وقد ظل البرنامج مستمراً حتى فترة قريبة.

قدّمت صالح عدة برامج أخرى، من بينها "أسماء وشخصيات"، و"يوميات امرأة معاصرة"، و"صباح الخير"، و"وطني حبيبي"، و"بعيداً عن السياسة".

رحيل صالح يجعلنا نتوقف عند علاقة الثقافة بوسائل الإعلام في تاريخ الإذاعات والتلفزيونات العربية، وفي واقع الأمر إن الأرشيف المتوفر في يوتيوب غني وثري جداً ويمكن من خلاله سماع حوارات في غاية الأهمية مع علماء اجتماع وشعراء وموسيقيين وفنانين وروائيين في مختلف المحطات العربية الرسمية، إذ لم يكن هناك محطات خاصة آنذاك.

لم تكن المحطات الرسمية تأنف من المثقف وتضيق به كما يحدث في محطات اليوم على اختلاف أشكالها رسمية وغير رسمية، ولم تكن تقصيه من برامجها، بل إن كثير من البرامج الثقافية كانت طويلة ومحتفى بها.

في العراق، مثلاً سنجد الإعلامية والكاتبة ابتسام عبد الله (1945) التي كانت تقدم برنامج "سيرة وذكريات" وأجرت خلاله حوارات طويلة مع عالم الاجتماع علي الوردي، وعالم الآثار طه باقر، والشاعر محمود درويش، والطبيب يوسف النعمان الذي قام بأول عملية زراعة شرايين في العالم العربي في الستينيات.

في مصر تأتي الإعلامية ليلى رستم (1937) التي قدمت برنامج "نجمك المفضل" وكان المثقفون فيه نجوماً فعلاً ومن بينهم طه حسين ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس والأخوان مصطفى وعلي أمين.

رستم بالتحديد، كانت توصف بأنها "أيقونة الجمال والجرأة"، وهي ابنة طبقة أرستقراطية سافرت إلى أميركا وكانت أول إعلامية تعود بدرجة عليا في الإعلام من جامعة أميركية، تركت القاهرة مع التأميم وهاجرت إلى بيروت، حيث عملت في تلفزيون لبنان، وقدمت برامج "سهرة مع الماضي" و"بين الحقيقة والخيال"، و"محاكمات أدبية"، و"نجوم على الأرض" وفى عام 1980 ، عادت ليلى رستم إلى القاهرة، لتواصل عملها بالتليفزيون المصرى وقدمت وقتها برنامج "قمم".

من أبرز الإعلاميات اللواتي قدمن برامج حوارية ثقافية المصرية الراحلة أماني ناشد (1936-1980) والتي حاورت عباس محمود العقاد في برنامج "لقاء كل يوم"، ويحيى حقي، ومنيرة المهدية، وفريد الأطرش، وبليغ حمدي.

كانت إعلاميات ما نحب أن نسميه "الزمن الجميل"، في غاية الجدية والمهنية والأناقة، لم تكن أي منهن تقاطع ضيوفها ولم تظهر أي منهن جاهلة بمن تقابل، وإلى جانب الإطراء كن يمررن أسئلة النقد بذكاء.

رحيل صالح يجعلنا نتساءل اليوم عن حضور الثقافة في هذا الصخب، وعن الحاجة إلى محاورة مفكرينا وكتابنا، ومساءلة واقعنا اليوم من خلال هذه الحوارات، ويجعلنا أيضاً نتساءل عن الإعلامية المثقفة والمحاورة اليوم، بين آلاف المذيعات الجميلات بلا أي ثقافة أو أناقة في إدارة الحوار.

ليست هذه الحوارات مجرد "خبطات" إعلامية في وقتها، ولكنها اليوم تشكل أرشيفاً يمكن أن يشكل مادة لكتابة مواد ممتعة في تاريخ الأدب وسير الكتّاب والمفكرين والفنانين الشخصية، ويتيح التعرّف على هؤلاء المبدعين. 

المساهمون