رحيل جلال أمين... المفكّر الذي فكّك الظواهر الاقتصادية بسلاسة

26 سبتمبر 2018
أمين فكك الظواهر الاجتماعية والاقتصادية في مصر (العربي الجديد)
+ الخط -
توفي المفكر الاقتصادي والكاتب المصري جلال أمين الثلاثاء عن عمر يناهز 83 عاماً، تاركاً خلفه عشرات المؤلفات، كان أبرزها تلك التي فككت الاقتصاد المصري والعربي، بأدوات بحثية اجتماعية وثقافية وسياسية معمّقة.

جلال أمين عارض ثورات الربيع العربي، زاعما أن لإسرائيل دوراً فى قيام هذه الثورات، ورغم أنه لم يقدم شواهد على مزاعمه التي أدلى بها في أحد حواراته الصحفية، لكنه قال " دعنا نبحث من المستفيد من هذا الوضع، سنجد أن إسرائيل أكبر هؤلاء المستفيدين لأنها تسعى لتفكيك المنطقة، وربما الولايات المتحدة".

ولجلال أمين رأي في الأزمة الاقتصادية المصرية التي تمر بها مصر حاليا تعرض بسببة لانتقادات شديدة، حينما قال في حوار نشر قبل نحو 10 شهور: " هى أكيد أزمة مصنوعة، لكن أنا أستخدم كلمة بكيد الكائدين، بمعنى أن هناك قوى خارجية ضد النجاح المصرى، فمن السبعينيات ونحن فى حالة لا تسر، وعلى الرغم من أن مبارك استمر يحكم من 1981 إلى 2011 لم يحدث أى تقدم، ربما حدث من نواح محددة، لكن لم تتخذ حلول جذرية لحل هذه المشاكل الاقتصادية."

وقد أثارت مواقف جلال أمين التي أعلنها عقب وقوع انقلاب 3 يوليو 2013 في مصر انتقادات شديدة خاصة رأيه فيما يتعلق بثورات الربيع العربي ومذبحة رابعة وغيرها من الجرائم التي طاولت المعارضيين السلميين.

وبعيدا عن مواقفه السياسية، فإن جلال أمين كاتب يعبر بالاقتصاد من التعقيد إلى السلاسة، يزيد من نهم القارئ في متابعة كتاباته من خلال عجنها بالأمثلة والتجارب الشخصية. ويسلط الضوء على تطور المجتمع الاستهلاكي والثورة التكنولوجية بأفكار تغيب عن بال الكثير من المتابعين. 

يربط الهاتف المحمول والتلفاز والإنترنت وغيرها من مظاهر التطور، بالميل الاستهلاكي المتصاعد لدى المجتمعات. يضيء على ما لا يراه المنغمسون في العولمة، من موقع المتمرد الخارج عن سراطها. 

يرى أن كل ما يدور في العالم يخدم السلطة العليا، إنها الشركات  المتعددة الجنسيات، أما الأنظمة فهي ميسّر الأعمال أو الوسيط المجتهد، والشعوب هي الزبائن، يحاول تحطيم نظرة الناس لغالبية ما يستخدمونه من سلع، للعديد من الأفكار التي يعدونها بديهة، للكثير من الأدوات الاقتصادية التي أصبحت من ضمن الأدبيات الأساسية المعتمدة في السياسات العامة للدول.

مثلاً، ما قصة غرام الأنظمة والاقتصاديين والمنظمات الدولية بتنمية التصدير؟ لماذا يسود الخشوع بعد لفظ هذه العبارة؟ ما الحكمة من تصدير ما تنتجه الدولة من سلعة لتوليد عملة صعبة تستخدم في استيراد السلع ذاتها ولكن من دول أجنبية؟

الجواب لدى أمين: "هوسنا بالتصدير سببه هوسنا بالاستيراد، وتعبير عن فشلنا. فنحن نستورد القمح لفشلنا في زيادة إنتاجه بالدرجة الكافية. نستورد الأسلحة للاشتراك في حرب لم نرد الاشتراك بها أصلاً. فضلاً عن اضطرارنا لدفع فوائد ديون لم يكن هناك أدنى داع للتورط فيها".

يقول جلال أمين في كتابه "العولمة" الذي صدر عام 1999 وطُبع عدة مرات، إنه "يتم تعليم الإنسان وتدريبه على استهلاك كمية أكبر وأكبر من السلع والخدمات. يتم غرس الاعتقاد في ذهنه أن الإقبال على الاستهلاك ليس فقط عملاً ممتعاً، وإنما أيضاً عمل ضروري وأخلاقي، وأنه هو الهدف الوحيد في الحياة، والنجاح في ذلك يعني النجاح في تصريف السلع التي لا تحظى بالكثير من المشتريات". 

ويضيف في الكتاب ذاته: "أصبح كل نشاط، من الذهاب إلى الشاطئ، إلى الانتقال إلى مكان العمل، إلى الاجتماع بالأصدقاء بل حتى القراءة والكتابة عملاً "كثيف الاستخدام لرأس المال"، والمقصود هنا اقتران النشاط باستخدام سلعة مادية لم تكن تستخدم من قبل للقيام بالنشاط ذاته".

ويكتب أيضاً في القضية ذاتها: "إن المجتمع الاستهلاكي عندما يأتي إلى بلد فقير، لا يثير فقط "أحزاناً طبقية"، بل "أحزاناً ثقافية"، فقد كان لدينا الأمل في وقت من الأوقات في أن تستطيع مجتمعاتنا أن تقدم للإنسانية شيئاً مختلفاً".

ويرى أمين أنه "في ظل حضارة السوق تزول بالتدريج الفوارق بين السلع والناس، فيعامل الناس وكأنهم سلع، وتعامل السلع وكأنها بأهمية البشر، ويصبح كل شيء معروضاً للبيع".

ومن بين العديد من كتبه، نال مؤلفه "ماذا حدث للمصريين؟ تطور المجتمع المصري في نصف قرن 1945 - 1995" شهرة واسعة، فهذا الكتاب يدرس بشكل عميق وتفصيلي عدداً كبيراً من الظواهر الاقتصادية في مصر ربطاً بالتطورات الاجتماعية والثقافية بكل أشكالها.

ويقول جلال أمين في هذا الكتاب: "كانت عوامل الحراك الاجتماعي (الانتقال من طبقة اجتماعية إلى أخرى) في السبعينيات والثمانينيات ترتكز على الهجرة إلى دول النفط وارتفاع معدل التضخم".

ويشرح أن "الانقلاب الاجتماعي الكبير الناجم عن الهجرة لم يحدث إلا في أعقاب عام 1974 مع التزايد المذهل في أعداد المهاجرين من عمال البناء والحرفيين والعمال الزراعيين حتى أصبحت لهم الغلبة في هيكل العمالة المهاجرة. هؤلاء لا تنقطع صلتهم بالوطن، فهم يذهبون ليعودوا، وهم يرسلون تحويلاتهم إلى عائلاتهم في مصر فيغيرون من مركزهم في السلم الاجتماعي".

ويضيف أن "ارتفاع السيولة من المهاجرين، إضافة إلى عائدات النفط المصري وقناة السويس والإنفاق الاستثماري والاستهلاكي من الوافدين الأجانب إلى مصر، فضلاً عن التضخم المستورد بسبب الانفتاح الاقتصادي أدّت إلى ارتفاع التضخم وأحدثت تقلبات عنيفة في المركز النسبي للطبقات الاجتماعية".

المساهمون