رحيل المبدع السوري ممتاز البحرة مبتكر "باسم ورباب"

16 يناير 2017
الظهور الأخير للراحل ممتاز البحرة (فيسبوك)
+ الخط -

غيّب الموت، اليوم الاثنين، التشكيلي السوري محمد ممتاز البحرة (1938-2017)، بعد صراع مع المرض خلال سنواته الأخيرة التي قضاها في "دار السعادة للمسنين".

وعرف البحرة بريادته في مجال رسوم أدب الأطفال على المستوى العربي. كما رسم شخصيات كتب المدارس، وترك إرثاً من رسومات الكاريكاتور التي تسببت في الحكم عليه بالإعدام في ستينيات القرن الماضي، فضلاً عن رسومات بانورامية أبرزها لوحة "ميسلون" المعروضة في بانوراما الجندي المجهول على سفح جبل قاسيون بمدينة دمشق، ومشاركته في تأسيس أهم مجلات الأطفال بسورية، كمجلتي "أسامة" و"سامر".

وينتمي الفنان الراحل إلى عائلة دمشقية معروفة، لكنه ولد في مدينة حلب بتاريخ 9 مايو/أيار 1938، حيث كان يعمل أبوه، محمود البحرة، مفتشاً لمادة التربية الرياضية بحلب وقتذاك، وعاش أحزانا متتالية بفقد والده ثم وفاة أخيه خلال سفره للدراسة في ألمانيا، لينطبع بمسحات من الحزن، كان يلمسها المقربون منه رغم إيثاره ألا تتجلى في لوحاته.

درس البحرة الفنون في مصر، إبان الوحدة، لكن وفاة والده في السنة الدراسية الرابعة والانفصال بين الإقليمين حالا دون إنهاء دراسته في مصر، ليعود إلى سورية ويكمل بكلية الفنون بجامعة دمشق.

وبدأ مشواره العملي بالتدريس في مدينة الحسكة، شمالي شرق سورية، قبل أن يدرس بمعهد إعداد المدرسين وبمدارس عدة بمدينة دمشق، بيد أن تضارب التدريس مع عمله الفني، دفعه للاستقالة مبكراً، ليبدأ مشوار رسم الكاريكاتور والرسوم المرافقة للمواد الصحافية، في مجلات وجرائد عدة، منها جريدة "الصرخة" السورية ومجلة "الجندي" وصحيفة "الطليعي"، وهي الفترة الأخطر في مسيرته، وفيها اعتقل وحكم عليه بالإعدام الذي أنقذته منه "ثورة الثامن من آذار" 1963 بسورية، وقت تغلُّب البعثيين على الناصريين.



وواصل البحرة إبداعه وجرأته في رسم الكاريكاتور، ما جلب عليه المزيد من المضايقات وصلت حد تهديده وأسرته، فاعتزل الكاريكاتور مطلع ثمانينيات القرن الماضي لفترة، لكنه سرعان ما عاد إليه لينفذ معرضاً يفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني ويؤرخ على طريقته للانتفاضة.

ولعل الرسم التبسيطي لتعليم الأطفال، أهم ما ميز الفنان الراحل، وطبع اسمه في ذاكرة السوريين، إذ رسم للكتب المدرسية، وهو من أوجد شخصيتي "باسم ورباب" في كتب المرحلة الابتدائية، والتي يتأثر بها السوريون حتى اليوم، كما رسم للمسلسلات المصورة (الكوميكس)، فضلاً عن إبداعاته بأهم مجلات الأطفال "أسامة" و"سامر".

وأمضى الراحل آخر سنواته في "دار السعادة للمسنين" بدمشق، وكان قلما يزوره خلالها الأصدقاء، ما زاد من مسحة الحزن المتأصلة بداخله، كما لم يكرّم خلال حياته سوى من الأصدقاء، إذ أهدى الفنانان موفق قات ومحسن شركس معرضهما "إلى الفنان المعلم ممتاز البحرة"، كتحية حب وتقدير لمكانته الفنية والإنسانية في الوسط التشكيلي السوري.



وعن دوره في رسوم الأطفال، يقول المتخصص في الفنون، عبد الرزاق كنجو: "كان البحرة متمكنا بخطوطه اللّينة التي أغناها بألوانه الزاهية المحببة لإدراك التلميذ في هذه المرحلة الأولى، فرسم علم البلاد يخفق في السماء الزرقاء الصافية، كما رسم الأب الكادح والأم وهي تعدّ الطعام لأطفالها، ورسم النجار حاملا المنشار، والمعلّم أمام السبورة، والجندي على دبابته، كل ذلك في مواقف تدعو التلميذ لتكريس القيم والمبادئ التعليمية والتربوية".

ويضيف كنجو لـ"العربي الجديد": "كان يجيد رسم الأشخاص بكافة الوضعيات التشريحية للجسم مع المحافظة على الأزياء المحلية وتطريزاتها، كما تميّز برسم اليدين وحركاتها التعبيرية بأسلوب واضح ومبسّط".

وحول ما يشبه العزلة التي قضى البحرة آخر سنين عمره بها، قال كنجو: "قد يكون مبعث ابتعاده عن الناس، العتب الكبير على مجتمع لم يقدّر له مساهماته الفريدة. كان يزوره أحيانا قلّة من الأصحاب في مكان إقامته بدار المسنين، ويصطحبونه في مشاوير وجلسات قصيرة لإخراجه من عزلته، وكان يسعد بها كثيرا. حتى أنه قال: إذا عدت للرسم في يوم ما فسيكون بسبب هذا التكريم ومحبة الأصدقاء".

دلالات
المساهمون