تربط معظم دول العالم أسعار عملتها وتثبتها بالدولار الأميركي عند سعر صرف محدد، ولا تسمح لهذا السعر بالتذبذب، إلا ضمن حدود ضيقة جداً. ويقدّر عدد الدول التي تتبع هذا الأسلوب حوالي 66 دولة.
ولكنّ هناك دولا صغيرة واقعة قريباً من الأراضي الأميركية ممن جعلت الدولار عملتها القانونية. ومن هذه الدول، على سبيل المثال، الإكوادور، والسلفادور، وشرق تيمور، وجزر المارشال، الواقعة في المحيط الهادئ بين هاواي والفيليبين. وغيرها من الجزر والكيانات الصغيرة.
وتوجد دول تربط عملتها باليورو على أساس أنه أيضاً عملة ثابتة ومستقرّة، وإن كان بعضها يسمح بهامشٍ من التذبذب فوق سعر الصرف، أو تحته، أوسع مما عليه الحال مع الدولار الأميركي.
وعدا عن الـ17 دولة الداخلة في الاتحاد النقدي الأوروبي، هنالك دول لها عملتها الخاصة، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، ولكنها تربط أسعار عملتها باليورو، مثل بلغاريا وإستونيا ولتوانيا. وهناك دول أخرى تستخدم اليورو مرجعية ضمن سلة من العملات لتي تضم، بجانب اليورو، كلا من الدولار والين الياباني واليوان الصيني والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري.
شهد العالم، خلال العقدين الأخيرين، نجاح سياسة ربط العملات بالدولار أو باليورو أو بسلة عملات. ومكّن هذا الأمر الولايات المتحدة من تحقيق مكاسب كثيرة في العالم. ومن أبرز هذه المكاسب أن الدول التي تربط عملاتها بالدولار تسعى إلى أن يبقى لديها رصيد كبير من الدولارات ضمن احتياطاتها الرسمية والمُدارة من قبل السلطات النقدية والبنوك المركزية في هذه الدول. ولذلك، بقي الطلب على الدولار مرتفعاً.
وقد شجّع هذا الطلب الولايات المتحدة، خصوصا أنها تخلّت عام 1972 عن قاعدة تحويل الدولار إلى ذهب، على طباعة مزيد من الدولارات. وإذا طبعت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ورقة نقد من فئة المائة دولار، فإن طرحها عملة في الأسواق العالمية سيعود على الولايات المتحدة بربح يتجاوز 99.5 دولارا بعد خصم كلفة الطباعة، والتخزين، والتوريد، وكلفة حرق الأوراق النقدية التالفة، واستبدالها بوحدات عملة جديدة. ويسمى الفارق بين كلفة طباعة ورقة العملة من الدولارات وقيمتها الاسمية بالسينيوراج (رسم سكّ العملات) كما اجتُهِدَ في ترجمتها، على الرغم من تحفّظي على هذا التعبير.
ومع أن مجموع الديون السيادية الأميركية الداخلية والخارجية حوالي 21.97 مليار دولار، في نهاية اليوم الأخير أو 31 ديسمبر/كانون الأول من عام 2018، أو ثلث الديون السيادية العالمية، علماً أن حوالي 5.6 مليارات من هذه الديون داخلي، والباقي مقترض من الشعب الأميركي ومن العالم.
وأمام هذا الواقع، لا تأبه الولايات المتحدة التي تصدر الدولارات عبر العجز في الموازنة والعجز في ميزانها التجاري كثيراً له، لأن العالم يبقى عطِشاً لهذه الدولارات، لأنها عملةٌ مقبولة من الجميع، والجميع يريد مزيدا منها لشراء حاجاته وخدماته من الأسواق العالمية.
ولذلك، نجحت سياسة ربط سعر صرف معظم عملات دول العالم بالدولار، وبدعم من صندوق النقد الدولي، ما أوجد مناخاً نقدياً مستقراً. ولكن هذا لا يعني أن الوضع الراهن سيبقى على حاله، فإذا تمكنت دول البريكس (BRICS)، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، من الاتفاق على مقياس جديد (numeraire)، مثل حقوق السحب الخاص، أو عن طريق وحدة جديدة بأوزان متفقٍ عليها من عملات الدول الخمس، فإن الربط بالدولار سيضعف، وستجد دول كثيرة، مع مرور الوقت، أن الأجدى لها ربط عملاتها بالدولار من ناحية، وبحقوق السحب الخاصة أو بالوحدة الجديدة من ناحية أخرى.
ولكن السؤال الذي يبقى: ماذا سيحصل عندما يتوقف تمويل المعاملات التبادلية في العالم بالعملات الحقيقية، وتوقف الناس عن استخدام العملات الورقية والمعدنية، وصاروا يستخدمون وحدات نقد إلكترونية في فضاء الفينتيك (FINTECH)؟
إننا مقبلون على عالم جديد، ما تزال خطوط الصراع فيه متداخلةً. وعلى كل من صندوق النقد العربي والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أن يبدآ في التفكير في استراتيجية للحفاظ على الموارد المالية العربية.