رافع "أنقاض" بدرجة مهندس زراعي في مصر

17 مارس 2015
9 ملايين مصري يسخّرون سواعدهم بحثاً عن الرزق (أرشيف/الأناضول)
+ الخط -

بجوار محطة عين شمس شرقي القاهرة، يجلس حازم هنداوي ضمن مجموعة كبيرة من الأفراد، يقترب عددهم من 150 فرداً على الرصيف، ينتظرون إشارة ممن يسعون إلى هدم عقارات ورفع أنقاضها، أو حمل مواد بناء وأثاث. 
انتظار الرزق على هذا لا يحتاج إلى مؤهل جامعي أو أية مهارات، وإنما تحتاج فقط إلى الحظ
والسواعد القوية التي يمكنها التكسير وحمل مواد البناء أو السلع أو تأدية أية أعمال صعبة تطلب منه. 

ورغم أن حازم تخرج في كلية الزراعة بجامعة أسيوط (جنوبي مصر)، وكان كل أمله العمل في تخصصه (مهندس زراعي)، إلا أنه لم يجد أي فرصة لتحقيق حلمه، منذ أن تخرج في عام 2009 وإنهاء خدمته العسكرية في نهاية2011، في ظل تفاقم البطالة، فسافر إلى العاصمة المصرية القاهرة لعله يجد فرصة في أي مجال ليحصل على لقمة العيش. 

يقول هنداوي لـ "العربي الجديد"، " دخلت الكلية، وأنا أحبها، لأني نشأت في بيئة ريفية، وكانوا يقولون لنا إن خريجي كليات الزراعة يحصلون على أراض بمساحات تصل إلى خمسة أفدنة للخريج الواحد، ولكن كانت تلك أضغاث أحلام". 

وأضاف: عملت في عدة أعمال منذ أن تخرجت ومنها مندوب للمبيعات في إحدى الشركات وتركتها في عام 2012، ثم عملت في متجر للمواد الغذائية وأمضيت فيه أكثر من عام، إلا أن صاحب العمل فضل أحد أقربائه علي وأخبرني أن إيراد المحل لا يحتمل إلا فرداً واحداً. 

وتساءل حازم مستنكراً: "بعد أكثر من 14 عاماً من التعليم، هل يكون مصيري العمل في الهدم وحمل مواد البناء؟".

ويضيف "العمل ليس حراماً، ولكن لماذا أمضيت كل هذه السنوات لكي أحمل على ظهري مواد البناء والأثاث وغيرها، كان يجب أن يخبرونا أننا لن نجد عملاً في التخصص الذي كنا ندرسه". 

وحسب إحصاءات صادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، فإن عدد الأشخاص الذين يعملون في مجالات شاقة ويصنفون على أنهم "عمال تراحيل" يبلغون أكثر من 9 ملايين عامل. 

وقال مسؤول في وزارة القوى العاملة والهجرة، طلب عدم ذكر اسمه في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن من يعملون في رفع الأنقاض وحمل مواد البناء وغيرها من المهن الشاقة التي تعتمد على السواعد، لا يخضعون لأي تأمينات صحية أو اجتماعية ويعانون من هدر كبير لحقوقهم. 

وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نسبة البطالة في مصر تصل إلى 13.3% يما يعادل نحو 3.6 ملايين شخص. 

ويحصل هنداوي على أجر حسب الاتفاق مع صاحب العمل وحسب نوعيته، وقال "أقصى أجر أحصل عليه عندما أعمل في حمل الرمل والإسمنت إلى المشروعات والعمائر السكنية وقد تمتد فترة العمل لأكثر من أسبوع بأجر 80 جنيها في اليوم (10.4 دولارات) في حين لا تزيد الأجرة في باقي الأعمال عن 50 جنيها في اليوم (6.5 دولارات)". 

وذكر أن هذا النوع من العمل غير دائم، فأحيانا يكون كثيراً، وأحياناً أخرى لا نجده، في ظل انخفاض مشروعات البناء، خلال الفترة الأخيرة. وأضاف "خلال الفترة الأخيرة، تراجع العمل للغاية مع مجيء نسبة كبيرة من العمال العائدين من ليبيا ومزاحمتهم لعمال التراحيل القدامى.. كل واحد يأتي بقريبه العائد من ليبيا ليشاركه في العمل الذي يعمل به.. أفضل من الجلوس في البيت من دون عمل". 

اقرأ أيضاً: سائق التوك توك..مهنة خريجي الجامعات والأطفال في مصر

وتواجه العمالة المصرية مشاكل عديدة خلال الفترة الأخيرة، منها عودة آلاف المصريين من ليبيا بعد شن الجيش المصري ضربات جوية الشهر الماضي، إثر بث تسجيل مصور منسوب إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" يظهر قتل 21 مصرياً في ليبيا. 

ويتراوح عدد العمالة الرسمية في ليبيا وفقاً لرئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أبوبكر الجندي، 250 ألفاً، في حين يقول السفير الليبي في القاهرة، محمد فايز جبريل، إن عددهم يتجاوز 1.2 مليون مصري، سواء بصفة شرعية أو غير شرعية. 

ويشير الهنداوي إلى أنه أمضى أكثر من عشرة أيام من دون عمل، ويأتي كل صباح منتظراً
الحظ وفرصة عمل، إلا أنها لا تأتي. 

وقال "بمجرد رؤية أحد الأفراد يبحث عن عامل باليومية يتجمع العمال حوله ويبدأ في استغلال قلة العمل، ويعرض أجراً يومياً منخفضاً للغاية يصل إلى 30 و25 جنيهاً .

ويتابع "نرضخ للأجر الذى يحدده المقاول أفضل من أن نظل من دون عمل، على الأقل نأتيبثمن السجائر والمكوث في المقهى". 

ويقول إن هذه الظروف لا تشجعه على الزواج، فمن أين يأتي بالمصاريف وتكلفة الزواج هو بالكاد يكفي نفسه، ويرسل جزءا من مدخراته الشهرية إلى والدته ليساعدها على إكمال نفقات البيت. 

ويضيف أنه يختار يوماً في الأسبوع للبحث في مكاتب السفر في القاهرة، وترك أوراقه لديها على أمل الاتصال به يوماً، من أجل السفر إلى أي بلد يجد فيه لقمة العيش.


اقرأ أيضاً: عمّال التَّراحيل: مصريون يقصدون الأرصفة طلباً للرزق
المساهمون