راضي شحادة: "الحكواتي هو الجدّ الأكبر للمسرحيين العرب"

25 مارس 2019
من عرض "يويا" لراضي شحادة في الدوحة (العربي الجديد)
+ الخط -

عرض المخرج المسرحي الفلسطيني، راضي شحادة، في العاصمة القطرية الدوحة، أخيراً، عمله المسرحي "يويا". "العربي الجديد" التقته، وأجرت معه الحوار التالي.

نبدأ من عرضك الأخير الذي قدمته في الدوحة مؤخراً، ما هي "يويا"، وكيف تقيم تفاعل الجمهور مع العرض؟
"يويا" هي مسرحية دمى، تحكي قصّة مجموعة من القراصنة، يغزون جزيرةً في عرض البحر، لاعتقادهم أنّها جزيرة ذهب. بينما هي في الواقع جزيرة من البلح الذي يبدو كالذهب، عندما تنعكس عليه أشعة الشمس. يبدأ القراصنة باجتياح الجزيرة، ما يؤدّي إلى إيقاف أهلها عن التمتّع باحتفالاتهم، خلال موسم قطاف ثمار النخيل. وبين كرّ وفرّ من الفريقين يستعمل القراصنة مدفعا قاتلاً، بينما يواجههم أهل الجزيرة، بما يتوفّر لديهم من وسائل بسيطة، مثل المرايا وأشواك الصبار. كما أنَّهم يرفعون الأعلام البيضاء، كي يوهموا القراصنة بأنّهم استسلموا، لكنهم يتحايلون عليهم من أجل استغلال المزيد من الوقت، لإيجاد الخطط والوسائل، كي يمنعوهم من الاستيلاء على جزيرتهم. يكتشف القراصنة خداع أهل الجزيرة، فيمطرونهم بالقذائف المدفعية. كان من اللافت للانتباه خلال عرض "يويا" في الدوحة، كمية الاستفزاز التي استعملها القراصنة ضد أهل الجزيرة، ما جعل أحد الأطفال المتواجدين خلال العرض، يعتلي المنصة، ويهجم على أحد القراصنة، وهو يهدده ويحاول ضربه.

لماذا "يويا" وما معناها؟
"يويا" هي أهزوجة شعبية فلسطينية، يرددها الأطفال أثناء اللعب. يقول أحد الأطفال: "يا أولاد حارتنا"، ليردد الجميع وراءه: "يويا"، وهكذا. هي مسرحية دمى تستحق أن تُسجَّل في كتاب "غينيس" للأرقام القياسية، فهي تُعرض منذ 33 سنة، وتجاوزت عروضها الـ 1300 عرض. وهي تُعتبر أول مسرحية دمى فلسطينية، قالباً وشكلا وموسيقى ورسماً. وأنتجها "مسرح السيرة" عام 1986، وتابعها أجيالٌ، كانوا أطفالاً، واليوم أصبحوا آباء وأجداداً. نعتزّ بأنّ الفنان الفلسطيني العالمي، سليمان منصور، ابن القدس المحتلة هو من رسم ديكور المسرحيَّة. والفنان الفلسطيني، مصطفى الكرد، ابن حيّ باب حطّة في القدس القديمة المحتلة، هو من وضع ألحانها وموسيقاها.

لماذا اخترت "مسرح السيرة" وأسلوب الحكواتي واستعمال الدمى والأقنعة في مسرحك؟
"الحكواتي"، هو الجدّ الأكبر لجميع الممثلين العرب، وضمنهم نحن الفلسطينيين. كان الحكواتي ينهل مواضيعه، سابقاً، من "سيرة الزير سالم" و"أبو زيد الهلالي" و"سيرة عنترة" و"سيرة ذات الهمّة". وكان يعتمد على أدواته البسيطة من تهويل وربابة وشعر وغناء. ولم تكن لديه عناصر العرض المسرحي العصرية التي نمتلكها. لذلك، فنحن مرتبطون به كارتباطنا بجذورنا، ولكننا لا نستخدم التراث كصيغة متحفية، بل نعصْرِنه، ونأخذ منه الوجه الضروريّ فيه. نحن لا نستورد مواضيعنا من الخارج، بل نصنعها نحن، وهي قريبة جداً من حياتنا وتراثنا وجذورنا. لدينا وسائل وعناصر كثيرة تغنِي حواس المشاهدين، كالدمى والأقنعة والديكور والإضاءة والموسيقى والغناء والرقص والمؤثرات البصرية والسمعية. وهذا يجعلنا أكثر تحرراً من الارتباط بمتحفية التراث وأدواته التي تندرج تحت مقولة "كلُّ قديمٍ حديثٌ في عصره"، كما قال الجاحظ. لم يعد الحكواتي لاعبًا بمفرده، بل أصبح مجموعة من الممثلين يلعبون لعبته، ولكنهم لا ينفصلون عن تميّزه شكلاً ومضموناً. الحكواتي الآن، ليس مقيدًا، بكرسيه وكتاب السيرة فحسب، بل أصبح قادراً مع أحفاده على احتلال فضاء المنصة بكل ما فيها من حرية وعناصر فرجة.


"يويا" أهزوجة فلسطينية يرددها الأطفال (العربي الجديد)

هل للمسرح رسالة تعليمية مباشرة، أم أنه مقتصر على التسلية والإمتاع؟
المسرح ليس منبراً خطابياً وشعاراتياً. هذه المنابر لديها متخصصوها من سياسيين ومحاضرين وخطباء. المسرح محكومٌ بأدواته الخاصّة، وبعناصره التي عليك أن تنتهجها لكي لا ينزلق إلى الخطابيّة المباشرة. يكون المغزى في العمق، وليس في النصّ المباشر. التسلية وإشغال الفكر والخيال هي من العناصر التي يحتاجها المسرح. ولكن، تشكيل ذائقة فنية رفيعة هو التحدّي الأصعب. ويعتمد ذلك على التبطين في المغزى، وليس المباشرة بقوله. بما يخص الأطفال، فإنّ اللهجة التعليمية يأخذها الطفل في دروسه المدرسية، أما في العرض المسرحي، فالأمر مختلف كليّاً.

وماذا عن معاناة المسرحيين في الداخل الفلسطيني؟
نحن "فلسطينيي الـ 48" معاناتنا صعبة. إذْ إنّنا مطالبون بأن نمارس حياتنا كمواطنين في "إسرائيل" على مقاس دولة الاحتلال ومؤسساتها، ومطالبون أن نبقى في حدود دولة طائفية وعنصرية، تقسّم مواطنيها إلى درجات، ونحن العرب نُعتبر في أدنى هذه الدرجات. هنالك صراع بين أن تعيش بقدراتك الذاتية، وبين كونك تحت سلطة دولة احتلال لديها مؤسسات تأخذ منك، وتطالبك بالعطاء من أجل أن تعطيك، وهنا أيضا يقع التمييز الكبير ضدنا. المسرح مجال مكلف جداً، وأن تكون في مثل هكذا مجال، فإن ذلك يتطلب جهداً ونضالا كبيرين، كي تحافظ على استقلاليتك الفكرية والمادية. في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تتراكم الجدران الخانقة لشعبنا هناك، الحالة مأساوية جداً. ولكن أهلنا هناك، لديهم طاقات إبداعية أصيلة في جميع المجالات، وبخاصة الفنية منها.


من عرض "يويا" (العربي الجديد)

كيف ترى الحركة المسرحية، الفلسطينية والعربية؟

عندما كنت طالباً في الجامعة عام 1973، كان والدي ينهرني ويستغرب أني أدرس المسرح، فقال لي: "المسرح لا يُطعم خبزا". أما اليوم، فإنّني متفاجئ من الهبّة المسرحيَّة في فلسطين والعالم العربي، إذْ كثرت أعداد المحترفين والمتعلمين بطريقة مهنية، من كتاب وممثلين ومخرجين، وحتى موسيقيين بأعداد هائلة، وكذلك مغنين وملحنين. يجب أن نخرج من مرحلة البكاء على الأطلال، ونعترف بوجود تقدم ملحوظ. ما يقلقني هو أنّ الحِرَفِيّة في الأدوات والأداء، لا تكفي من أجل القول بأن هذا تميّز ووضوح في الرؤية، فقد تجد مئات العازفين، ولكن ينقصهم ملحن مميّز الأسلوب، وقد تجد مئات الممثلين ولكن ينقصهم مؤلف ومخرج. لا أقول فقط أن يكون مؤلفًا او مخرجاً محترفاً في أدواته، بل لديه مدرسته وأسلوبه وتميّزه. هذا الأمر لا يزال، إلى الآن، غامض الملامح.
دلالات
المساهمون