رئيس الوزراء الفرنسي الجديد ..خطوة للوراء خطوتان لليمين

01 ابريل 2014
مانويل فالس لم يخف طموحاته لتولي رئاسة الوزراء (Getty)
+ الخط -

فَهِم الرئيس فرانسوا هولاند درس الهزيمة الانتخابية القاسية جيّدا، فَصَارَح الشعبَ الفرنسي بالأمر. وقرر اختيار وزير داخليته المثير للجدل رئيسا للوزراء، في تأكيد من الرئيس على خياره "الاجتماعي الديمقراطي"، إذ أن مانويل فالس معروف بطروحاته اليمينية، وقد عبّر عنها في الانتخابات الداخلية للحزب الاشتراكي لتحديد مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية، حين حلّ في الرتبة الأخيرة، فّضَمَّ صوتَهُ إلى جانب هولاند ضد المرشحة مارتين أوبري، المعروفة بمواقفها المنحازة للطبقات الشعبية.

وهذا الخيار الذي قرره هولاند يكشف أنه لم تَعُد للرئيس خيارات كثيرة، وأنّه قرر السير على طريق الرهان على الليبرالية، معتمدا على شعبوية وزير داخليته (الذي حقق نتائج متواضعة في وزارته)، مضحيّا بيسار حزبه وبرغبات قوى اليسار الأخرى التي كانت تصبو إلى عودة إلى ممارسة سياسة يسارية تولي الطبقات الشعبية أهمية أكبر، وتفرض على الموسرين ضرائب تجعلهم يشاركون بفعالية أكبر في "التضامن الوطني". اختار هولاند تعميق علاقته مع أرباب العمل، وهو ما سيجعل النقابات تتصادم معهم في أقرب الآجال.

لم تكن حكومة هولاند الأولى خالية من التوتر بين مكوناتها، لاسيما بين تيارات الحزب الاشتراكي ذاته وحزب البيئة الشريك في الحكم بوزارتين وبين فالس، الذي لم يكن يتردد في انتقاد زملائه حين يرى الأمر مُناسِبا. وبالطبع استقبل هذا المكوّن لتحالف اليسار تعيين فالس بفتور وجفاء ظاهرين، وقررت رئيسة هذا الحزب التي لا تكن أي وُدٍّ لفالس ألا تشارك في الحكومة القادمة. وصرحت أن الإجابات التي قدّمها فالس منذ سنوات لا تستجيب لمطالب الفرنسيين، وأن رد هولاند على "الصفعة" كان يستوجب العودة إلى سياسة اجتماعية ويسارية.

وإذا كان موقف اليمين الفرنسي من هذا التعيين هو النقد، والأمر مُنتَظَرٌ، إذ لا يتوقع أحد أن يمنح اليمينيون أي هدية للحكم الاشتراكي، خصوصا وأن ثمة استحقاقات انتخابية قادمة، فإن انتقادات أطياف كثيرة من اليسار كانت أكثر قسوة. فالحزب الشيوعي رأى في هذا التعيين "رئيساً يُديرُ ظهرَهُ لليسار"، و"مع تعيين فالس سيقاسي الشعب الفرنسي مِحنَتَيْن"، في حين رأى زعيم جماعات البيئة نويل مامير أن "الجناح اليميني في الحزب الاشتراكي الفرنسي هو أكبر مُقسِّم لليسار"... أما زعيم حزب اليسار جان- لوك ميلونشون فرأى "أن الرئيس فرانسوا هولاند لم يفهم شيئا في الخطاب الذي تلقاه. ويؤكد تحالُفَه المفضل مع أرباب العمل ويُعيّن أكبر مُقسِّم لليسار، مانويل فالس".

مانويل فالس سياسي طموحٌ، ولم يُخْف منذ شهور رغبته في تولي رئاسة الحكومة، مثيرا حنق رئيس الوزراء آنذاك، وهو يتتبع خطى نيكولا ساركوزي، تقريبا في كل شيء. في توليه منصب الداخلية وفي اندفاعه وغضباته وخطاباته التي تُشتمّ منها رائحة العنصرية المبطنة (تبجحه بطرد عشرات الآلاف من المهاجرين السريين وطرده للغجر وتصريحاته التي تخيف الديمقراطيين). وليس غريبا أنه الشخصُ الذي كان ساركوزي يتمنى لو ضمّه إلى حكومته اليمينية. وأيضا الشخص الذي عبر مسؤولون في حزب الجبهة الوطنية العنصري عن استعدادهم لمنحه بطاقة العضوية الحزبية، مكافأة له على تشدده مع الأجانب.

هل يستطيع هذا الرجل أن يفعل شيئا للاقتصاد الفرنسي الراكد؟! وهل الليبرالية هي الخيار الأنجع في فرنسا، خصوصا وأن الأزمة تبدو عميقة وثقيلة الوطأة على الطبقات الدنيا الفقيرة؟!

كان الكثيرون يتوقعون تعيين مارتين أوبري رئيسة للوزراء كبادرة على مصالحة اليسار مع جمهوره، خصوصا وأنها تتبنى سياسة اجتماعية، ولكن هولاند، المتقوقع في عزلته، قرر شيئا آخر.

وإذا كانت المخاوف كثيرة من فالس، والاستقبال فاترا، لأسباب كثيرة، فإن الجالية العربية الإسلامية والأجانب عموما من الأفارقة والغجر غير مرتاحين لتوليه رئاسة الحكومة، فقد صدرت منه تصريحات ومواقف عززت هذا القلق المشروع. فهو لم يتورع عن إبراز غيظه من ازياد العرب والأفارقة في مدينة "إيفري" التي كان عمدة لها. كما أن الحماس ذهب به في اجتماع مع الجالية اليهودية إلى التصريح بأنه، وبفضل زواجه من يهودية إسرائيلية "ارتبط بشكل أبدي بدولة إسرائيل"، في الوقت الذي يُطالب فيه، كلما أتيحت له الفرصة (حتى في المساجد!)، بوجوب خضوع الإسلام في فرنسا لقوانين الجمهورية.

لقد نجحت الانتخابات البلدية الفرنسية، كما نجح هولاند في تجييش أعداء وخصوم كثيرين، فكيف سيخْرُجُ الحزب الاشتراكي من الاستحقاقات القادمة، وهل سيضمن فرانسوا هولاند ولاية رئاسية ثانية، خصوصا مع تواجد هذا الشخص إلى جانبه: شخص بالغ الطموح وماكيافيللي إلى أبعد الحدود؟