تعهد رئيس الحكومة الجزائرية الجديدة عبد المجيد تبون، اليوم الأربعاء، بوقف تمدد "الكارتل" المالي في المشهد السياسي، وتوغله باتجاه مراكز النفوذ في السلطة، خاصة بعد المخاوف والتقارير التي تحدثت بشكل مسهب عن المخاوف من سيطرة رجال المال والأعمال على المشهد السياسي.
وقال تبون أمام نواب البرلمان، إن "الحكومة ستعمل على التفريق بين المال والسلطة في إطار قواعد جديدة لتأطير الحالات المتعلقة باستغلال النفوذ لتحقيق مآرب شخصية، وأَخْلَقة أكثر للحياة العامة، باعتماد قواعد جديدة لتأطير الحالات المتعلقة باستغلال النفوذ لتحقيق مآرب شخصية وحالات التنافي في الهيئات المنتخبة والدمج بين المجالات السياسية والاقتصادية والجمعوية".
وأضاف تبون "الجزائر بلد الحريات وستظل كذلك، ومن حق أي مواطن أن يخوض في الأعمال أو السياسة أو يمارس الاثنين دون الجمع بينهما في وقت واحد، لكننا سنفرق بين المال والسلطة وليسبح كل في فلكه". وقال أيضاً "لا نسعى إلى الاصطدام بأرباب العمل ورجال الأعمال والمال، ولكن المال لا ينبغي أن يتوغل في دواليب الدولة".
وعشية الانتخابات البرلمانية جدّت مخاوف سياسية كبيرة من هيمنة رجال المال والأعمال على القوائم الانتخابية وفوزهم بمقاعد في البرلمان، وتقدم عدد منهم إلى مراكز متقدمة في السلطة. وحذّر كتاب ومحللون من تأثيرات تمدد هيمنة المال السياسي على سياسات الحكومة والقوانين، كما أمسك عدد من رجال الأعمال بدواليب الاقتصاد بشكل بات يثير القلق لدى الأوساط السياسية والإعلامية.
واعترف رئيس الحكومة الجزائرية بفشل الحكومات السابقة في تنفيذ برامج التنمية، ما أوصل البلاد إلى منزلق اقتصادي واجتماعي خطير، خاصة مع انهيار أسعار النفط وتراجع مداخيل البلاد.
كما تعهد تبون بالقضاء على كل أشكال التعسف بمواصلة السياسات الاجتماعية والاقتصادية الهادفة إلى التقشف والحفاظ على التوازنات المالية للدولة، مع الحفاظ على الخدمات وتحسين الأوضاع الاجتماعية للجزائريين وتحسين مناخ الاستثمار والأعمال وتعزيز الأمن الغذائي للبلاد والحد من اختلال الميزان التجاري، ومواصلة إصلاح المنظومة الوطنية للتربية والجامعات.
وتعهد أيضاً بتكريس حرية الصحافة والتعبير والحق في الإعلام النزيه "وإعادة تأهيل الفضاء السمعي البصري عبر تصحيح وضع القنوات المستقلة غير المعتمدة حتى الآن". وتوجد في الجزائر أكثر من 43 قناة تلفزيونية تعمل في إطار غير قانوني، إذ لا تحوز على اعتماد كقنوات محلية أو قنوات أجنبية معتمدة في الجزائر، سوى خمس قنوات تعمل بالصيغة الأخيرة.
وبغض النظر عن مواقف الأحزاب السياسية الموالية للسلطة والتي تزكي خيارات الحكومة وخططها دون مناقشتها، فإن عدداً من قوى المعارضة انتقدت بشدة الخطة الحكومية، واعتبرتها مجرد تكرار للخطط السابقة.
بدوره، استغرب رئيس حركة "مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، تصريح رئيس الحكومة بشأن فشل الحكومات السابقة، قائلاً "حديث تبون يؤكد أن المراحل الحكومية السابقة كانت فاشلة، فمن المسؤول عن الفشل، من المسؤول عن إهدار الأموال الضخمة، ومن الذي يحاسب على تضييع الأوقات الثمينة؟".
واعتبر مقري أن "الوعود التي أطلقها تبون أطلقت مثلها وأكثر منها حكومات سابقة، فما الذي يجعل هذه الحكومة تنجح حيث فشلت الحكومات السابقة؟ أليست كلها حكومات تنتمي إلى سلطة سياسية واحدة؟"، واصفاً خطة الحكومة الجديدة بالتكرار والاستنساخ للبرامج السابقة.
من جهته، قال رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، لخضر بن خلاف، إن "مخطط عمل الحكومة هو نسخة طبق الأصل عن المخططات السابقة، طغى عليه الأسلوب الإنشائي، فهو يفتقد للحلول الناجعة التي تمكّن الحكومة من التغلب على الضائقة المالية الصعبة التي تمر بها" البلاد، واعتبر أن هذا المخطط يؤكد أن الحكومة لا زالت متمسكة بسياسة الهروب إلى الأمام.
لكن أكثر الانتقادات بشأن الخطة الحكومية جاءت من خبراء اقتصاديين، والذين يعتقدون أن هذه الحكومة لم تقدم على طرح أي تصورات اقتصادية جديدة من شأنها أن تعيد التوازن للاقتصاد الجزائري وتحد من التأثيرات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي سليمان ناصر: "كنا نتمنى مناقشة خطة الحكومة من طرف برلمان قوي وشرعي حتى يتم إثراؤها حقاً، لكننا نلاحظ بدلاً من ذلك برمجة هذا النقاش الذي سوف يأخذ مدة لا تقل عن ثلاثة أيام، وفي فترة قريبة من العيد، حيث يغادر معظم النواب إلى مناطقهم، وهذا لكي يسهل تمريرها بعدد قليل منهم، وطبعاً مشكلة النصاب سوف تحلها أحزاب السلطة بالوكالات".
وأشار ناصر إلى "إصرار الحكومة على قاعدة 49/511 في مجال الاستثمار، ما يعني تضييع المزيد من فرص الاستثمار مع الشركاء الأجانب والذين يرفضون في معظمهم هذه القاعدة، خاصة أن التقارير الصادرة، أخيراً، تشير إلى تراجع كبير في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر".
وأضاف أن "الحكومة توجه باحتشام نحو تنويع عروض التمويل عن طريق تطوير المنتجات المالية البديلة، ويقصدون بها الإسلامية"، مبيناً أن "هذه الكلمة يبدو أنها لا زالت تثير الحياء والخجل منا كمسلمين، وخوفاً من إغضاب التيار العلماني، وذلك عبر إقامة شبابيك موجهة للمالية التشاركية، ويقصدون بها الإسلامية أيضاً" .
ومن المتوقع أن لا يجد رئيس الحكومة الحالي، والذي عين في الخامس من يونيو/حزيران الجاري، أية صعوبة في تمرير خطته الحكومية باعتبار انتمائه لحزب جبهة التحرير الوطني الفائز بالانتخابات البرلمانية الأخيرة وحصوله على دعم أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية، لكن المعطيات الاقتصادية والاجتماعية باتت من الصعوبة بحيث يصعب على حكومة ظرفية لن يتعدى أجلها الزمني أكثر من 20 شهرا تنفيذ خطة إنقاذ اقتصادي للبلاد.