ذهب للتغطية... فوجد الاحتلال يُهدّم منزل أخته

08 مارس 2017
+ الخط -
ما زالت أحداث ذلك الصباح المشؤوم عالقةً في أذهان المصور الصحافي المقدسي، أيمن أبو رموز، الذي خرج يومها بكاميرته ليغطي عملية هدم جديدة لعائلة مقدسية، لم تسعفها محاولاتها الحصول على ترخيص لبيتها من قبل بلدية الاحتلال في القدس، على الرغم من شروعها في الإجراءات المطلوبة للحصول على هذا الترخيص، منذ اليوم الأول الذي شيدت فيه منزلها قبل ثماني سنوات، وغرمت بغرامة مالية مقدارها نحو 80 ألف شيكل دفعتها على مدى تلك السنوات من قوت أبنائها الأطفال، ومن كد وتعب صاحب البيت، وهو مواطن مقدسي بسيط يعمل في مهنة الطراشة والدهان.
صبيحة الأربعاء الماضي، وبينما كان أيمن قد استيقظ فجرًا، وتأهب بكاميرته للسفر إلى قرية أمن الحيران في النقب، حيث كانت بعض التقارير تحدثت عن هدم وشيك، تلقى اتصالاً من إحدى زميلاته العاملة في محطة فضائية عربية، تبلغه بعملية هدم وشيكة أخرى في بيت حنينا شمال القدس، تحاصره قوات الاحتلال وطواقم هدمه.

يقول أيمن لـ "العربي الجديد": "حملت كاميرتي على الفور، وتوجّهت بسيارتي إلى حيث موقع الهدم. حين اقتربت من المكان، رأيت شقيقتي وأبناءها في العراء، بينما جنود الاحتلال يحيطون بالمكان من كل حدب. لم أكن أعلم حين خرجت حاملاً الكاميرا، أن البيت الذي سيهدمونه هو بيت شقيقتي، فغادرت السيارة بعد أن تركتها منتصف الطريق وتركت كل شيء".

وتابع: "لم أستطع حمل الكاميرا. حاول جنود الاحتلال منعي من الاقتراب، لكنني وصلت إلى حيث شقيقتي وأطفالها الذين فقدوا مأواهم.. ما حدث كان صدمة كبيرة لي.. لقد اعتدت على نحو يومي على الركض بالكاميرا متنقلاً بين أحياء القدس وضواحيها لأغطي بالصورة ما يحدث من عمليات هدم وتشريد للعائلات، وما أشاهده يومياً كان مؤلماً.. لكنه هذه المرة كان أشد إيلاماً. لم يخطر في بالي أن ما سيحدث هذه المرة من عملية هدم سيمس أقرب الناس إلي وهي شقيقتي.. بكيت كثيرا وأنا أحتضنها وأحاول أن أخفف عنها المصيبة التي حلت بها وبأسرتها بينما كانت وحدها تصرخ بالجنود وهي تقف بجوار أنقاض منزلها تأمرهم بالانصراف، حيث لم يبق لهم شيء يفعلونه بعد أن دمروا كل شيء".



لزم أيمن فترة من الوقت قبل أن يستعيد لحظة من الهدوء، ليمتشق كاميرته من جديد، ويشرع في تصوير ما دمرته جرافات الاحتلال، لكن الشعور والإحساس بالألم والفقد لم يبرحه، كما قال.
وأضاف: "كل البيوت التي تهدم يومياً في القدس تترك في نفوسنا ألماً.. لأنها بيوتنا جميعاً وسكانها هم أهلنا. هذه المرة الوجع أكبر والألم أعظم".

تقيم شقيقة أيمن مع أطفالها الخمسة بصورة مؤقتة في بيت لعائلتها في قلنديا، بعد الاستئذان من عائلة كانت تقيم فيه. لم يكن أمام العائلة أي خيار إلا احتضان ابنتهم في بيت العائلة إلى أن يتوافر البديل. مع ذلك، فالألم يصاحب أفراد العائلة جميعاً بدءاً من الأم، التي لم تجد سوى الصراخ والدمع لتعبر فيه عن غضبها في وجوه جنود الاحتلال، الذين بدوا أكثر بلادة وبروداً مثل كتل الإسمنت التي انهارت أمامها، بل كان بعضهم لا يخفي سروره بينما كانت جدران البيت وسقفه تنهار بفعل ضربات البلدوزر وأنياب الجرافات.

المعاناة الأخرى، كما يقول أيمن، كانت من نصيب أبناء شقيقته، فأصغرهم البالغ من العمر قرابة ثلاث سنوات، يستيقظ ليلاً ليسأل عن بيته وألعابه، ولا يجد جواباً من والديه. أما أشقاؤه الآخرون، وكانوا تلاميذ في مدرسة قريبة من البيت المهدم في بيت حنينا، فكانوا يذهبون إليها الساعة السابعة والنصف من كل صباح ويصلون قبيل موعد الدوام.. أما اليوم فهم مضطرون لمغادرة مأواهم الجديد الساعة السادسة صباحا ليتلافوا ازدحام المركبات على حاجز قلنديا العسكري والانتظار في طوابير طويلة قبل أن يسمح لهم باجتيازه، بعد فحص شهادات ميلادهم والتأكد من هوية حامليها.

لا يجد أيمن من الكلمات ما يعبر فيها عن حجم الألم لما حل بأسرة شقيقته: "من الصعب أن تلخص مشاعرك في بعض الكلمات. شعور الغضب يتغلغل في القلوب وفي النفوس". يختم أيمن حديثه، وهو يدرك أن مشاهد الهدم في القدس ستتكرر، لكنه سيحرص على أن يكون حاضرًا ليوثق جرائم الاحتلال في هدم مساكن المقدسيين وتشريد عائلاتهم، وهو ما يحدث دون توقف.



المساهمون