ذكرى ميلاد: محمود خليل الحصري.. عن التلاوة ومناهجها

09 أكتوبر 2018
(الحصري)
+ الخط -
باعتباره نصاً مركزياً في الحضارة العربية الإسلامية، تفّرعت عن القرآن علوم كثيرة، من تفسيره إلى طرق كتابته أو قراءته، بعضها ظلّت تتناقله الأجيال من خلال التعلّم الشفوي وأخرى وجدت سبيلاً للكتابة ولاحقاً للدرس والتأطير النظري.

وإذا كان المقرئ المصري محمود خليل الحصري (1917 - 1980)، يقابل اليوم ذكرى ميلاده) قد عُرف كأحد أشهر أصوات القرن العشرين، مع كوكبة من أبناء بلده، مثل عبد الباسط عبد الصمد ومحمد محمود الطبلاوي، فإنه تفرّد عنهم بكونه حمل طوال مسيرته هاجس المنهجية في أداء القرآن صوتياً وفي ذلك وضع مؤلفات كثيرة مثل: "أحكام قراءة القرآن الكريم"، و"القراءات العشر"، و"معالم الاهتداء إلى معرفة الوقوف والابتداء".

ضمن هذا المنجز التأليفي، برز مع الحصري جانب موسوعي حاول من خلاله تجميع "تراث التلاوات" في التاريخ الإسلامي، حيث خصّص أعمالاً تشرح المدارس القرائية وتحلّل مناهجها، وكذلك فعل مع روايات القرآن مفسّراً اختلافاتها وشارحاً للمسائل التاريخية واللغوية التي تتعلّق بها.

هذا الجهد النظري صاحبته ممارسة أدائية جعلت منه مرجعاً في تلاوة القرآن، فيما اعتبرت معظم القراءات الأخرى ذات نزعة جمالية تأثيرية مبالغة، علماً أنه كثيراً ما اتخذ منها مواقف نقدية، ولعل جهده التأليفي أتى ضمن هذا الإطار، دون أن ننسى البعد التعليمي من كل ذلك، حيث حاول الحصري توظيف القدرات التي توفّرها التقنيات الحديثة في تمرير المعرفة التي اكتسبها، سواء من خلال الكتب أو تسجيل التلاوات.

حرص المقرئ المصري كذلك على توثيق تنوّع قراءات القرآن، وقد خصّص سنوات طويلة (الستينيات بالخصوص) لتسجيل القرآن بصوته ومن ذلك رواية حفص عن عاصم (1961)، ورواية ورش عن نافع (1964)، ورواية قالون (1968).

يذكر أن الحصري مرّ طوال حياته من الكثير من المواقع الإدارية مثل: شيخ عموم المقارئ المصرية، ونائب رئيس لجنة مراجعة المصاحف وتصحيحها في الأزهر، ورئيس اتحاد قراء العالم الإسلامي. مواقع جعلته كثير التنقل في العالم، وقد كان ذلك مادة كتابه "رحلاتي في الإسلام"، وهو أشبه بسيرة ذاتية تفتح على أخبار البلاد التي يزورها وعلاقة أهلها بالإسلام ووصف عاداتهم.

بعد مرور عقود من رحيله، لا يزال الحصري يحتفظ بموقع مرجعي ضمن مسائل قراءة القرآن وعلومه. أكثر من ذلك، بات أحد رموز مرحلة شهدت حراكاً في ما يتعلّق بتحديث ممارسات التديّن دون قطيعة مع الموروث. وعلى مستوى آخر، لا شك أن أداءه ينقل لمستمعيه نكهة تلك الفترة بحمولاتها النفسية والعقائدية.

المساهمون