ذكرى ميلاد: خليل حاوي.. فارغ الكفيّن إلا من شعره

31 ديسمبر 2019
(خليل حاوي)
+ الخط -

حملت معظم رموز القصيدة العربية الحديثة منذ منتصف القرن الماضي آراء وتنظيرات رافضة لما تعيشه المجتمعات العربية من أمراض وعلل، لكنهم عبّروا عن ذلك ضمن مواقف مؤدلجة على حساب الشعرية غالباً، من هؤلاء كان خليل حاوي الذي تمر اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاده.

بدا الشاعر اللبناني (1919 - 1982) أكثر غضباً وتمرّداً من كلّ مجايليه، ربما لأنه لم يحتمل الكذب والخداع الذي يتفشّى في جميع المجالات، بدءاً من المؤسّسة التعليمية التي عمل فيها وأيقن أنها لا تؤمن بالتحديث كما تدّعي، وليس انتهاءً بالسياسة وأهلها.

ورغم تنظيم عّدة فعاليات في مدن عربية العام الجاري بمناسبة مرور مئة عام على ميلاده، إلا أن أغلب القراءات لنتاجاته ظلّت تربط بينها وبين حياته الشخصية ومواقفه السياسية فقط، بحيث تعاين قصائده في سياق الأحداث، وليست كنص مستقل يُؤشّر على قلق أسبق وأعمق من كل ما يطفو على السطح.

كما مرّت المئوية دون سعي لجمع ونشر المقابلات الني أُجريت مع حاوي ومقالاته النقدية المتفرّقة في كتاب واحد، ومن شأنها أن توضّح أكثر جوانب من شخصياته والتغيرات الفكرية والنفسية، بدلاً من الإصرار على اعتبار أن مجموعاته الشعرية الخمس أتت كردّ فعل مباشر على وحدة مصر وسورية أو هزيمة حزيران أو غيرهما، وهي بالضرورة ليست المؤثر الأساس في كتابتها.

آمن حاوي بأدواره الرسالية في مجموعتيه الأولى والثانية "نهر الرماد" (1957) و"الناي والريح" (1961)، لكنه شكّك فيها وتلمس الخديعة الكبرى في وجوده مع مجموعته الثالثة "بيادر الجوع" (1965)، ثم عادت شعرية الانبعاث في مجموعته الرابعة "الرعد الجريح" (1979)، ليطبق عليه اليأس والقنوط في مجموعته الخامسة والأخيرة "من جحيم الكوميديا" (1979).

يدوّن في قصيدة "في جوف الحوت": كل ما أذكرُه أنِّي أسيرْ/ عُمْرُهُ ما كان عُمْراً/ كان كهفاً في زواياهُ/ تدبُّ العنكبوتْ/ والخفافيشُ تطير/ في أسى الصمتِ المريرْ"، وفي قصيدة "بعد الجليد" يكتب: دمي ينحرُّ يشتُمُني يئنُّ: إلى متى أزني وأبصُق/ على لقبٍ وكرسيّ. أنا لست منكم طغمة النسّاك/ لن يستحيل دمي إلى مصلٍ. كذبت، كذبت/ جرّوني إلى الساحات، عرّوني. اسلخوا عني شعار الجامعة".

عاش حاوي وفكّر وكتب مؤمناً بأن جديداً سيحلّ محلّ القديم الذي يعشعش في السلطة بتمثلاتها المختلفة، وكان عند كلّ محطّة تنطفئ آماله باحثاً عن نجاة لروحه، وحين لم يعد قادراً على الانبعاث مرة أخرى وإيجاد معنى لوجوده، أطلق النار على نفسه من بندقية صيد منهياً حياته عام 1982.

في قصيدة "الجسر" التي كتبها عام 1957، يسّجل: "يعبرون الجسر في الصبح خفافاً/ أضلعي امتدت لهم جسرا وطيدْ/ من كهوف الشرق، من مستنقع الشرقِ/ إلى الشرق الجديدْ/ أضلعي امتدت لهم جسراً وطيدْ/ "سوف يمضون وتبقى/ فارغ الكفين، مصلوباً، وحيدْ/ صنماً خلَّفه الكهان للريحِ/ التي توسعه جلداً وحرقاً".

المساهمون