تبدّل الحال كثيراً بالنسبة لجهاد الياسيني، والد الشهيد عز الدين، من سكان شارع الواد في بلدة القدس القديمة، والذي استشهد في مجزرة الأقصى الأولى، في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول من عام 1990.
وفي ذاك اليوم وقبل 24 عاماً، كان المستوطنون المتطرفون يعربدون في البلدة القديمة، وكان حاخامهم الأكبر عشرون سلمون، يطوف بحجر ضخم مع أتباعه في عين سلوان، جنوب المسجد الأقصى المبارك، معلنًا عزمه إدخاله لساحات المسجد إيذاناً ببناء الهيكل المزعوم.
يقول والد الشهيد عز الدين، لـ "العربي الجديد"، إن "عز الدين سمع أصوات مكبرات الصوت في الأقصى تدعو أهالي القدس إلى الدفاع عن مسجدهم، فخرج مسرعاً من البيت، وخرج من خلفه شبان ورجال ونساء آخرون لتلبية النداء، إذ بدأت التكبيرات تعلو ومعها صوت الرصاص، فأدركت أن أمراً عظيماً يحدث، وكان صوت الإسعاف يصم الآذان".
ويتابع: "على بلاط الأقصى شاهدت الدماء وبقايا من جمجمة وقد تناثر ما فيها من دماغ، وسمعتهم يصرخون ابن الياسيني استشهد. بحثت عنه من بين الجرحى في عيادة الأقصى، لكنهم أبلغوني بنقله إلى المقاصد".
ويتذكر الوالد مشاهد لا يكاد ينساها وزوجته بعد طول الزمن، إذ توجه إلى مستشفى المقاصد، ليرى الدم يغطي وجه عز الدين وعيناه مفتوحتان.
يقطن الياسيني الآن متنقلاً بين منزل آيل للسقوط في البلدة القديمة، وبين منزل مستأجر في العيسوية بالكاد يجد قوت يومه، أما والدة الشهيد فتعاني مرض السكري وحزنها المقيم على فقدان ولدها البكر.
ولم يجد والدا عز الدين غير سعف نخيل أخضر يضعانه على قبر نجلهما في مقبرة باب الرحمة، علها تتصل بروحه الطيبة التي لا تزال ترفرف في كل زاوية من زوايا بيتهما العتيق في شارع الواد، فيما لا تزال صورة ضخمة لعز الدين يحيط بها علم فلسطين تزين الحائط المتهالك، لتذكر أفراد عائلته بحضوره الدائم.
بعد أربعة وعشرين عاماً، التقت عائلات الشهداء عز الدين الياسيني، ومجدي أبو صبيح، وخالد الشاويش على أضرحة أبنائها في مقبرتي الرحمة واليوسفية تتلو القرآن وتدعو للشهداء الذين ارتقوا ثلاثتهم دفاعاً عن الأقصى، ويبقى نداء الدفاع عن المسجد الأقصى حياً في نفوسهم، في حين بات الأقصى اليوم وحيداً في مواجهة التطرف اليهودي.