ذئب بشري

24 يوليو 2019
+ الخط -
ارتكبت الفتاة خطأ واحدا. لا ليس خطأها أنها قد قتلت ذئبا بشريا، فهذا رد فعل طبيعي دفاعا عن شرفها، ولكن الخطأ الذي ارتكبته أنها فتحت بابا للذئب كي يدخل حياتها، وهنا يمكن أن ننظر إلى قضية الفتاة الصغيرة التي أصبحت قاتلة في نظر بعضهم، ومدافعة عن شرفها وتستحق أن تكون بطلة وتمنح وساما رفيعا من وجهة نظر آخرين، في اتجاهين مختلفين.
كيف دخل ذئب بشري لحياة طفلة في الخامسة عشرة من عمرها؟ ستكون الإجابة تقليدية لفتاة في ظروف هذه الفتاة، وقد سمعنا بها مرارا، وشاهدناها في أفلام قديمة وأخرى حديثة تكرارا، وهي أن هذه الفتاة ولدت في بيئة فقيرة، فجأة فتحت عينيها على الحياة، لتجد نفسها في عائلة فقيرة، وعليها أن تخرج إلى العمل، بدلا من أن تذهب إلى المدرسة. وفي طريق العمل، داعبت أذنيها كلماتٌ معسولة، ولمحت في المرآة الأمامية لـ"الميكروباص" الذي تستقله نظراتٍ ولهى للسائق الشاب، وربما هو أول رجل سمعت منه كلمات غزل لم تعهدها، وهكذا ألقى بشباكه نحوها.
سائق "الميكروباص" هو ذلك الذئب البشري دائما الذي يجيد الكلام المعسول في حضرة الفتيات، حين يركبن في المقاعد الخلفية، ويجيد البصق من النافذة المجاورة، لاعنا الظروف والأسعار، وعدم كفاية ما يحصل عليه كل يوم للكيف والمزاج، حين ينحشر الجنس الخشن في المقاعد خلفه، ويسمعهم يؤيدونه ويبادلونه السباب والبصق طوال الطريق.
إذن، وقعت فتاة صغيرة فقيرة ضحية لهذا السائق الذي قرّر أن يقدّمها لصديقه الذي لا يقل عنه في انحطاط القيم والأخلاق، وبقصةٍ محبوكةٍ أصبحت صيدا للصديق الذي حاول أن يعتدي عليها، ولكنها بالحيلة حصلت على سكّينه التي هدّدها بها وطعنته 13 طعنة قاتلة في أماكن متفرقة من جسمه، أولاها كانت في عنقه.
سددت 13 طعنة للفقر والظروف، والحاجة وقلة المال، وضيق البيت، وعدم توفر بيئة صالحة للحياة، والأجر المتدني والأفواه المفتوحة، والأب الذي يحاول أن يتغافل عن تأخرها خارج البيت تحت ذريعة العمل، ومكان العمل الذي لا يمنحها أجرا مناسبا للساعات الطوال من الوقوف فيه، ولموقع فيسبوك اللعين الذي أوقعها في شر هذا السائق الذي تعرفت عليه منذ عام، وبدأ يغير حياتها من عاملة منهكة إلى عاملة حالمة.
القتل المتعمد يبيحه القانون في ثلاث حالات: إذا كان دفاعا شرعيا عن النفس، وإن جاء هذا الدفاع بسبب تخوف من حدوث موت أو إصابة بجراح بالغة. وبسبب إتيان امرأة كرهاً، أو الرغبة في الاغتصاب أو هتك العرض بالقوة. والحالة الثالثة تتعلق بخطف إنسان، وهذه الفتاة المصرية، أميرة، التي تطالب كل الأصوات ببراءتها قد قتلت دفاعا عن شرفها، ولأنها كانت ستتعرّض للاغتصاب في حال لم تفعل ما فعلته.
أخطأت الفتاة حين ارتبطت بعلاقة على صغر سنها مع سائق "الميكروباص" الحقير. وأخطأ والدها، لأنه لم يراقب الصغيرة ذات الخمسة عشرة عاما. أمها أخطأت، لأنها لم تحتضنها حين عادت مرهقة من العمل، ولم تستمع لأحلامها فأخبرت بها ذئبا بشريا استطاع أن يصنع من أحلامها شباكا ومصيدةً أوقعها فيها، إلى درجة أنها أصبحت تكذب على والديها، وتخرج للقائه، وإلى درجة أنها أدمنت القصص الخيالية، فحاكت قصة مختلقة للشرطة، في بداية الأمر، عن عصابة من الشباب، حاول أفرادها اغتصابها بالتناوب. ولكنها حين قتلت أحدهم، فر الباقون خوفا منها، ثم سرعان ما انهارت واعترفت بالحقيقة، وبأنها أقامت علاقةً لصغر سنها مع شاب، وبأنها ضربت بالعادات والتقاليد عرض الحائط.
الجريمة التي ارتكبتها الطفلة أميرة مركبة، وأسبابها كثيرة، والمطالبة ببراءة أميرة تعني أن نسمح لبناتنا بإقامة علاقات عاطفية، فأميرة يجب أن تعاقب ليس لأنها قتلت من حاول اغتصابها، ولكن لأنها لم تلعن الفقر ألف مرة، الفقر الذي أخرجها من دفء بيتها إلى الشارع، وأبعدها عن مدرستها، وألقى بها في محل بيع ملابس.
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.