دويلات أم مستعمرات؟

04 أكتوبر 2015
+ الخط -
تتربّع الثورة السورية على عرش الغموض الذي لا يُعرف له طريق إلى الحلّ، حيثُ لا يمكنُ للمرء أنْ يتنبأ بمقبل الأيام حتى تأتي، ولا يستطيع أيّ طرفٍ أن يكتب مستقبلاً، أو يُنشئ مشروعاً خاصّاً به، حتى وإنْ كانَ هذا المشروع يحملُ الحلول لجميع المشكلات الموجودة.
تطمح المعارضة السورية لاجتثات نظام الأسد، وتطهير الأرض السورية منه، حيث أنّها لم تعد تجد غير الحلّ العسكري سبيلاً للوصول إلى أهدافها، بعد ما وجدته من كذبٍ وغدرٍ ومماطلةٍ من النظام، عند قيام أي تسوية أو اتفاق، فالمعارضة تريد وطناً خالياً من الأسد. وفي المقابل، تتقلّب أهداف النظام السوريّ، حسب قوته والدعم الذي يصل إليه من حلفائه، ففي بداية الأحداث، كان النظام لا يقبل المساومة، ظنّاً منه أنْ أسلوب البطش سيطفئ نور الثورة التي بدأت بالإنتشار، وحين عجز القمع عن إطفاء الثورة، تغيّرت سياسته العسكرية، والتي دفعت إلى تغييرٍ في موقفه في التفاوض مع المعارضة.
شيئاً فشيئاً، أصبحت البلاد تخرج عن سيطرة النظام السوري، فأصبحت المساحة التي يسيطر عليها فعلياً أقل بكثير من المساحة التي انتزعت منه بالقوة، فأصبح هدف النظام بناء دولةٍ، تستوعبه مع أنصاره، تمتد من دمشق إلى حمص وحماة فالساحل السوري الذي يعتبر الحاضن الأقوى له.
ظهرت نتائج التدخل الإيراني، وأصبحت واضحة، فحسب تصريح رئيس غرفة التخطيط للحرس الثوري الإيراني، مهدي طالب، فـ "إنَّ سورية هي المحافظة الإيرانية رقم 35"، وكأنّها مستعمرة جديدة تضاف إلى طهران، بعدما استولت هذه على العراق واليمن ولبنان. وقد أدّى الإمتداد الإيراني إلى دقّ الأطراف الداعمة للمعارضة السورية ناقوس الخطر، وظهرت آثار الدعم الكبير للمعارضة من الشمال إلى الجنوب، ماديّاً وبتسهيلات من تركيا، فكانت الانتصارات تتوالى في الشمال، حتى انهيار كامل قوات النظام في إدلب ووصول الثوار إلى حدود الساحل السوري. وفي دمشق، قام جيش الإسلام بتحرّك مفاجئ، ليحرج النظام في دائرة نفوذه الضيّقة. وفي الجنوب، كانت عاصفة الجنوب التي حررّت مساحات واسعة من محافظة درعا والقنيطرة، وتسعى إلى فتح طريق بين درعا وريف دمشق.
الكلُّ يعلمُ أنّ الدول الداعمة للمعارضة السورية لا تسعى إلى بناء مستعمرات لها في سورية، لكنّها يمكن أن تحمل أهدافاً أخرى، أقلّ ضرراً من الإحتلال الإيراني، فتركيا، مثلاً، تسعى إلى إنهاء نظام الأسد، استناداً لواجبيها، الديني والأخلاقي، وهي ترى امتداداً لنفوذ الأكراد في الشمال السوري وازدياد قوتهم. ولهذا تفعل المستحيل، لمنع إقامة دويلة كردية، تحتضن مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وتهدد الأمن القومي التركي.
ولأنَّ لكلّ فعل ردّة فعل، جاء الدّعم الروسيّ لجعل الكفّة متساويةً، على الأقل بين الأطراف المتنازعة، ولتصبح التسويات الدولية بشأن سورية في نقطة قد تتفق عليها جميع الدول الداعمة.
الأرض السورية هي الخاسر الوحيد في هذه النزاعات، فهي بين أمرين أحلاهما مرّ، فإمّا "دويلات" تقطع أوصالها وتفرّق بين أبنائها، أو "مستعمراتٌ" تنتهك سيادتها، وتجعل من أهلها عبيداً للمستعمر الجديد.
C741516E-C8ED-4D4F-BB6F-58114ABA9CAD
C741516E-C8ED-4D4F-BB6F-58114ABA9CAD
أيهم أبا زيد (سورية)
أيهم أبا زيد (سورية)