دونالد ترامب... رمز "أسوأ ما في أميركا"

08 نوفمبر 2016
يُسجّل على ترامب تنقلاته السياسية الكثيرة (Getty)
+ الخط -
يحلو لكثيرين، في الولايات المتحدة وفي خارجها، أن يصفوا المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، بأنه يترجم "أسوأ ما في أميركا" على الإطلاق: ــ العنصرية ضد كل ما هو ليس بأبيض من جذور أوروبية. ــ التمسك بأميركا تعود إلى ما قبل عصر الاتحاد، أميركا البيضاء حصراً، أميركا الجدران الفاصلة، أميركا "اليانكيز". ــ الشعبوية التي تلامس الفاشية. ــ الرفض الضمني والصريح لقيم إنسانية تتعلق بالمساواة بين البشر وبين الجنسين. ــ التحريض الديني والإعجاب بنظرية صراع الحضارات. ــ الاستهتار العلني بحيوات ملايين البشر في عدم ممانعة موت "شعوب متخلفة". ــ الجهل الذي يدنو من الأمية في كل ما لا يتعلق بكيفية ربح الأموال. ــ الإيمان بقدرة الثروة على تحقيق كل شيء في هذا العالم. ــ العجرفة واحتقار النساء. ــ الثقة بأنه قادر على أن يكون "كاوبوي" زمانه فائق القوة بمسدس على خصره في القرن الحادي والعشرين بمثال أعلى يدعى فلاديمير بوتين.
انطلاقاً من ذلك، قد لا تكفي صفة "المثير للجدل" لوصف رجل الأعمال ترامب، الذي نجح بالوصول إلى المرحلة الحاسمة في مواجهة منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، على الرغم من "المعركة" التي خاضها بعض قادة الحزب الجمهوري ضده، وإعلانهم صراحة عدم رغبتهم بوصوله، قبل أن يطيح بمنافسيه الجمهوريين ويفرض نفسه مرشحاً للحزب الجمهوري. لم يكن الكثيرون يؤمنون بإمكان وصول ترامب إلى المواجهة المباشرة ضد كلينتون، وهو غير المحنك سياسياً والذي عُرف بالعفوية طوال حملته الانتخابية، وأطلق العديد من التصريحات المثيرة للجدل قبل أن يتراجع عنها. ففي رسالة وجهها لمتعصبين أميركيين خلال حملته الرئاسية، أعلن ترامب أنه سيعمد إلى قطع رؤوس الإرهابيين وتعذيبهم بالتغطيس في المياه أو بما هو أشد من وسائل التعذيب. ولأن هذا التصريح قوبل باستهجان وبانتقادات واسعة، سرعان ما تراجع عنه قائلاً إنه سيلتزم بالقانون ولن يصدر أي أوامر تخالفه.

كما أن الكثيرين أخذوا على المرشح الجمهوري في بداية مسيرته نحو البيت الأبيض عدم امتلاكه الصفات المطلوبة ليصبح مرشح الحزب الجمهوري، لكن بفضل حملة غير عادية وخطب صاخبة لعبت على وتر انعدام الأمن للأميركيين في عالم متغيّر، تفوّق الملياردير النيويوركي البالغ من العمر 70 عاماً على خصومه الـ16 في حملة الانتخابات التمهيدية، ونسف أعرافاً سياسية معمولاً بها، رافعاً شعار أن "يعيد لأميركا عظمتها".
نجح ترامب عبر طروحاته "الشعبية" والغضب لدى مؤيديه، في إحداث تغيير في المشهد السياسي، يبدو أن تأثيره سيستمر إلى ما بعد الانتخابات. وفيما رفضه قسم من القادة الجمهوريين، إلا أن القاعدة الجمهورية أيّدته بحماسة، وقد انجذبت الى مرشح يتكلم بصراحة تصل الى حدود الفظاظة، قادم من خارج العالم السياسي، يعبّر عن غضبهم وقلقهم في مواجهة العولمة والتغييرات الديموغرافية. وفي استطلاع أجرته "بلومبرغ" منتصف أكتوبر/ تشرين الأول بين الجمهوريين حول الشخصية التي تطابق تصوراتهم للحزب الجمهوري أكثر، اختار 51 في المائة منهم ترامب، فيما اختار 33 في المائة منهم فقط رئيس مجلس النواب بول راين.

ويُسجّل على ترامب تنقلاته السياسية العديدة، فهو كان ديمقراطياً حتى عام 1987، قبل أن يصبح جمهورياً بين 1987 و1999، ومن ثم انضم إلى حزب الإصلاح بين 1999 و2001. وإبان ولاية جورج بوش الرئاسية عاد الى الحزب الديمقراطي منذ 2001 و2009، ثم الجمهوري بين 2009 و2011، فمستقل، قبل أن ينضم مجدداً الى الجمهوريين منذ عام 2012 وحتى اليوم. بنى ترامب ثروته في العقارات، ولم يتولَّ أي منصب منتخب، وقبل الانطلاق في حملته الرئاسية، كان معروفاً بأبراجه والكازينوهات التي تحمل اسمه، وعمليات الطلاق في الصحافة الصفراء، وكونه نجم برنامج لتلفزيون الواقع. فيما يقول مؤيدوه إنه يحظى بشخصية جذابة، مع طرح نفسه منقذاً لأميركا تحتضر أصبحت أضحوكة العالم، بحسب رأيه. ويفاخر دائماً بعدم احترامه اللياقات السياسية، ويندد بـ"الحمقى" الذين يحكمون البلاد. ولا يتردد ترامب في شتم منافسيه، إذ وصف منافسيه الجمهوريين تيد كروز بـ"الكاذب" وجيب بوش بـ"السخيف" و"المثير للشفقة". فيما قال عن منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بأنها "غير شريفة" ومنافسها بيرني ساندرز "كارثة". وتدفق آلاف الأميركيين، ومعظمهم من البيض، لحضور تجمعاته بعدما طمأنتهم خطبه التي يهاجم فيها السياسيين التقليديين الذين وصفهم بـ"الأغبياء" و"الفاسدين"، والصحافة والعولمة والمهاجرين والمسلمين.

مواقف مثيرة للجدل
يؤخذ على ترامب تبنّيه خطاب مجموعات اليمين المتطرف، مع حديثه عن حظر دخول موقت على المسلمين إلى الولايات المتحدة، مؤكداً أنه "سيقطع بسرعة رأس" تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"سيستولي على نفطهم". وأعلن المرشح الجمهوري أن على الولايات المتحدة ألا تتدخل في سورية بشكل كبير، وأوضح في تصريحات أنه في حال فوزه "لن يحارب (رئيس النظام السوري بشار) الأسد"، لأن بلاده "لديها مشاكل أكبر منه". وقال صراحة في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية إن "الأسد بالنسبة لي مسألة ثانوية مقارنة بداعش". ويتبنى ترامب مبدأ تقليص تدخّل الولايات المتحدة في سورية، وهو المعروف بتفضيله التحالف مع روسيا وإيكال مهمة قتال "داعش" في سورية إليها. وسبق له أن أبدى إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووصفه بأنه "زعيم قوي". كما عارض ترامب مشروع الرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل السماح بقدوم 10 آلاف لاجئ سوري إلى الولايات المتحدة هذا العام. وحول الوضع العراقي، انتقد المرشح الجمهوري احتلال بلاده للعراق وأشاد بالرئيس الراحل صدام حسين الذي اعتبره "شخصاً سيئاً بالفعل، لكن الأمر الجيد الذي فعله هو قتله للإرهابيين".


وعارض ترامب بشدة الاتفاق النووي مع إيران، واعتبره "أسوأ اتفاقية، لأنها تضع إيران، وهي الراعي الأول للإرهاب الإسلامي المتطرف، على طريق الحصول على سلاح نووي"، بحسب تصريحات سابقة له. وتعهّد بأنه "سيمزق الاتفاق منذ اليوم الأول" لتوليه مهام الرئاسة، إذا فاز بالانتخابات. أما موقفه من القضية الفلسطينية، فلم يتأخر ترامب بإظهار انحيازه لإسرائيل، معلناً أن "الولايات المتحدة ستعترف بأن القدس هي العاصمة الوحيدة والحقيقية لإسرائيل"، في حال انتخابه رئيساً، مؤكداً أنه "سوف أستخدم حق النقض (الفيتو) أثناء رئاستي لإبطال أي اتفاق في الأمم المتحدة يضر بمصلحة إسرائيل"، مضيفاً: "على الفلسطينيين قبول إسرائيل كدولة يهودية". كما وعد في حال انتخابه، ببناء جدار على الحدود المكسيكية بكلفة ثمانية مليارات دولار تدفعها المكسيك، لمنع الهجرة غير الشرعية. وأعلن تصميمه على طرد 11 مليون مهاجر غير شرعي، كما قال.

حياة عملية ناجحة
ولد ترامب في نيويورك وكان الرابع بين خمسة أطفال لمقاول بارز في قطاع العقارات. وبعد دراسة التجارة، انضم الى الشركة العائلية عام 1968 وساعده والده في بداياته "بقرض صغير قيمته مليون دولار". في عام 1971، تولى إدارة شركة العائلة. وكان والده يشيد مساكن للطبقة المتوسطة في بروكلين وكوينز. لكن دونالد فضل الأبراج الفاخرة والفنادق والكازينوهات وملاعب الغولف. تعرّض ترامب خلال مسيرته إلى عشرات المحاكمات المرتبطة بأعماله. وبين عامي 1991 و2009، وُضعت أربعة من الكازينوهات والفنادق التي يملكها تحت حماية قانون الإفلاس الأميركي. تزوج ترامب ثلاث مرات من عارضتي أزياء وممثلة، ولديه خمسة أولاد وسبعة أحفاد. كان مؤيداً إبان التسعينيات لحرية الإجهاض. وهو يعارض ضبط انتشار الأسلحة بعد أن كان ينتقدها. ويريد فرض ضرائب باهظة على الواردات الصينية.

دائرة صغيرة ولكن مؤثرة

تحيط بالمرشح الجمهوري دائرة صغيرة متمثلة بعائلته ومقربين منه، تؤثر في قراراته. من أبرزها زوجته ميلانيا ترامب، التي تدخّلت أكثر من مرة في السباق الانتخابي، أبرزها عندما دافعت عن زوجها بعد نشر تسجيل فيديو سُمع فيه ترامب وهو يتحدث بعبارات فظة حول الطريقة التي يعامل بها النساء. وقالت ميلانيا إن زوجها "يحترم النساء ويوفر لهن الفرص نفسها" التي يوفرها للرجال، مؤكدة أنها ستكرس نفسها إذا ما أصبحت السيدة الأولى "للدفاع عن النساء والأطفال". إضافة إلى ميلانيا، يبرز أولاد المرشح الجمهوري، دونالد ترامب الابن، وإيريك، وإيفانكا، وساهمت الأخيرة في رسم مقترحات والدها حول حضانة الأطفال وعطل الأمومة.

كذلك يبرز في الدائرة المقربة لترامب، ستيفن بانون، مدير عام فريق الحملة التي يحركها في الكواليس. لم ينضم إلى الفريق إلا في أغسطس/ آب الماضي في إطار تعديل لفريق ترامب، وغادر الموقع الإخباري الإلكتروني المحافظ "بريتبارت نيوز". وبانون جديد نسبياً في أوساط المحافظين وخبرته في "بريتبارت" سمحت له بأن يصبح متحدثاً مهماً باسم "اليمين البديل"، الحركة التي تضم القوميين البيض المعادين للهجرة. كما ظهر رئيس بلدية نيويورك السابق رودي جولياني، كأحد أبرز الداعمين لترامب، وهو يعرفه منذ عقود ووقف إلى جانبه خلال المهرجانات الانتخابية الرئيسية. وإضافة إليه، برز اسم كريس كريستي، حاكم نيوجيرسي الذي كان من أشد المعارضين لترامب خلال حملة الانتخابات التمهيدية، وأصبح بعد ذلك أحد أقرب حلفائه.