في تونس لا شيء يشغل العمال في عيدهم هذا العام سوى المحافظة على أرزاقهم، حيث تغيب مطالب الزيادة في الرواتب وتحسين قوانين العمل، مقابل مخاوف من موجات التسريح المرتقبة التي تنوي مؤسسات القطاع الخاص تنفيذها بسبب تراجع أنشطتها وهبوط عائداتها جراء فيروس كورونا.
ورغم الحشد الرسمي والنقابي لضمان حقوق العمال المادية والمهنية، إلا أن الخوف من فقدان الوظائف يطغى على عدد كبير من العاملين، ولا سيما في القطاع الخاص، بعد أن بدأت مؤسسات بتطبيق إجراءات إحالة العمال على البطالة الفنية وتقليص الأجور أو احتسابها من رصيد العطل السنوية للموظفين.
وكشفت دراسة أصدرها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات (مؤسسة بحثية غير حكومية) الثلاثاء الماضي، أن 65 بالمائة من الشركات لا تنوي تجديد عقود العمل بالنسبة إلى العمال الذين يشتغلون بعقود محددة المدة.
ويقدَّر عدد العاملين في القطاع الخاص بأكثر من 1.5 مليون تونسي، يعمل جزء منهم في ظروف هشّة بعقود عمل محدودة المدة أو دون عقود، ما يسهّل إمكانية الاستغناء عنهم دون أي تعويضات.
وقال الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل، سامي الطاهري، إن النقابات العمالية مجنّدة من أجل الحفاظ على حقوق العمال المادية والمهنية، رغم صعوبة الوضع الاقتصادي وتأثر مؤسسات اقتصادية بوقف النشاط بصفة كلية أو جزئية، ولا سيما المصدرة والمرتبطة بالأسواق الخارجية.
وأضاف الطاهري لـ"العربي الجديد" أن لعيد العمال هذا العام تحدياته الخاصة، نتيجة ما وصفه بـ"الهجمة" على حقوق الشغالين المالية والمهنية من قبل بعض المؤسسات التي تستغل الوضع الصحي في البلاد من أجل مصادرة حقوق موظفيها والتقليص في رواتبهم.
وبيّنت رسالة رسمية موقعة من محافظ البنك المركزي مروان العباسي، ووزير المالية محمد نزار يعيش، وجهتها تونس إلى صندوق النقد الدولي، أنّ القطاع السياحي مهدد بفقدان 400 ألف وظيفة.
الجزائر
يعود مايو/ أيار هذا العام، وككل عام، ليحل على طبقة العمال في الجزائر، بوعود جديدة لأكثر من 1.5 مليون عامل يتقاضون أجوراً زهيدة لا تتعدى 18 ألف دينار (170 دولاراً) للفرد، ولا تغطي تكاليف معيشة شهر كامل، وثلثهم لا يزال يحلم بعقود نهائية. وزادت من معاناتهم "جائحة كورونا" التي ضربت مئات الآلاف من عمال الجزائر في مناصبهم ورواتبهم ومنها جيوبهم المنهكة أصلاً بغلاء المعيشة.
عمر كداري عامل جزائري من بين مئات الآلاف من العمال الذين اضطرهم "كورونا" إلى البقاء دون عمل، قسراً، بعدما توقفت شركة المقاولات التي يعمل فيها عن النشاط. ويروي لـ"العربي الجديد" معاناته قائلاً: "منذ 22 مارس/ آذار لم أشتغل، بسبب تجميد مشاريع البناء بقرار حكومي. في الحقيقة، مالك الشركة دفع لنا أجرة شهر مارس، لكن منذ ذلك الحين لم أتلقّ أي دينار، أعيش أيام سوداء".
حالة العامل عمر كداري يتقاسمها في كل تفاصيلها خالد بن زرقة، عامل في مصنع لتجميع السيارات، الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنه دخل في بطالة تقنية منذ شهرين، فالمصنع متوقف لسببين: الأول تجميد استيراد الهياكل، وثانياً بسبب كورونا، حيث اتخذت منها إدارة المصنع حجة لتسريحنا في عطل استثنائية، تمهيداً لتسريح الغالبية من العمال".
وفي السياق، يقول رئيس الاتحاد الجزائري لعمال التربية والتكوين، صادق دزيري إن "على الحكومة تحمّل مسؤولياتها تجاه توازن القدرة الشرائية، والالتفات إلى الملفات المطروحة، والمتمثلة بتعديل قانون التقاعد".
المغرب
لن تنزل الاتحادات العمالية إلى الشوارع في المغرب، في أول مايو/ أيار هذا العام، غير أنها اختارت مخاطبة العمال عبر وسائط التواصل الاجتماعي في ذلك العيد، في سياق متسم بفقدان الآلاف من فرص العمل وتهديد أخرى في فترة الإنعاش الاقتصادي.
وتتطلع الاتحادات العمالية إلى التركيز على ضرورة تقوية التشريعات الاجتماعية للحماية والصحة والسلامة المهنية والاستجابة للمطالب المادية والمهنية والاجتماعية للعمال، مع العمل على عودة جميع العمال إلى الشركات التي توقفت بسبب الجائحة.
ويذهب الحسين اليماني، القيادي بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن عيد العمال في العام الحالي، يأتي في سياق متسم بتوقف الحوار الاجتماعي، الذي لم يعقد كما جرت العادة قبل عيد العمال، الذين تزف لهم، كما في العام الماضي، بعض الأخبار التي تحسن أوضاعهم الاجتماعية. وكانت الحكومة قد قررت عشية عيد العمال في العام الماضي، زيادة في أجور نحو 800 ألف من الموظفين الحكوميين.
موريتانيا
يحتفل عمّال موريتانيا بعيدهم هذا العام دون مسيرات وتظاهرات احتفالية، كما تعوّدوا ذلك على مرّ السنوات الماضية، حيث يشكل أول مايو/ أيار من كل عام مناسبة لهم لرفع مطالبهم والمناداة بحقوقهم. ولم تتمكن نقابات العمّال في موريتانيا من الاجتماع كما يحدث عادة قبل الفاتح من مايو، لوضع لائحة بمطالبها، بسبب حظر السفر والتنقل.
وحسب مصادر مطلعة من الكونفدرالية الوطنية لوحدة العمال تحدثت لـ "العربي الجديد"، لم تنجح محاولات بعض النقابيين في تحقيق اجتماعات افتراضية بتقنية الفيديو لأسباب مختلفة، منها ضعف التغطية في مناطق وجود رؤساء اتحاد عمال المناجم وعدم اقتناع البعض بجدوى هذه الاجتماعات.
ويقول الباحث المهتم بالشأن النقابي محمد أحمد ولد الخليل، لـ"العربي الجديد"، إن "موريتانيا تعاني من هشاشة اقتصادية ومشاكل مزمنة، وفي ظل الاستسلام الحكومي لتداعيات فيروس كورونا ستتفاقم هذه المشاكل، ما سينجم عنه ارتفاع نسبة الفقر وخسارة الوظائف وتأجيج الأوضاع الاجتماعية".