لا ينحصر الوباء بفيروس كورونا فقط، بل هناك وباء آخر استطاع أن يكون جائحاً أكثر من كورونا وهو وباء "اضطهاد العاملين". هكذا لخص المرصد العمالي الأردني (مؤسسة مجتمع مدني) حال العاملين في الأردن هذا العام لما يتعرضون له من انتهاكات خطرة وغير مسبوقة، بعضها بشرعية حكومية أعطت لأصحاب العمل ذريعة ارتكاب العديد من الانتهاكات.
ولا يخفي رئيس المرصد أحمد عوض، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ "العام الحالي سيكون الأسوأ الذي يمر على عمال الأردن منذ سنوات طويلة؛ بسبب تزايد الانتهاكات التي يتعرضون لها في ظل أزمة كورونا، وحالة الضياع التي يعاني منها عشرات آلاف العمال الذين فقدوا أعمالهم، ولم يعد لهم مصدر رزق منذ شهرين".
وقال عوض إنّ حال العمال في الأردن "بائس للغاية" من حيث فقدان أعداد كبيرة منهم لفرص عملهم في القطاع الخاص، بينما الآلاف ممن يعملون كعمال مياومة يعانون الفاقة ولم يعد بمقدورهم الخروج إلى السوق والعمل كالمعتاد، نظراً للحظر الشامل الذي تفرضه الحكومة، منذ منتصف مارس/ آذار الماضي، بسبب جائحة كورونا.
وأضاف عوض أنّ "مئات الانتهاكات العمالية سجلت بحق العاملين بخاصة في منشآت القطاع الخاص، ومنهم من لم يستلم راتبه منذ شهرين، وشركات استغلت قرارات الدفاع الصادرة عن الحكومة وأوقفت رواتب العاملين، وأخرى خفضتها بنسبة 30% و50%، فيما تم فصل أعداد كبيرة من العمال بحجة تداعيات جائحة كورونا".
وأكد أنّ "قطاعات واسعة من العاملين والعاملات في منشآت الأعمال في مختلف القطاعات الاقتصادية، تعرضت إلى انتهاكات جسيمة ومتفاوتة؛ مثل عدم تسليم بعضهم أجورهم الشهرية لكامل شهر مارس/ آذار المنصرم، بحجج مختلفة، وكذلك الحال بالنسبة لشهر إبريل/ نيسان".
وبيّن عوض أنّ الانتهاكات التي رصدها المرصد تجاوزت 600 شكوى حول قيام بعض المؤسسات بخصم مدة العطلة التي أعلنتها الحكومة من رواتب العاملين والعاملات، مشيراً إلى أنّ مؤسسات قامت بتسليم جزء من راتب مارس/ آذار من دون تفسيرات لذلك، فيما أجبرت مؤسسات العاملين لديها على كتابة إجازات من دون راتب طيلة فترة العطلة الحكومية الطارئة، وبعضها أجبر العاملين على كتابة إجازات سنوية طيلة مدة العطلة.
وأكد أنّ "بعض مؤسسات الأعمال أجبرت بعض العاملين لديها على العمل في فترة حظر التجول، وهي ليست من القطاعات الحيوية، ومن دون الحصول على تصاريح تنقل، مما عرض الكثير منهم إلى المساءلة القانونية".
وكانت الحكومة الأردنية قد قررت، منذ منتصف مارس/ آذار الماضي، تعطيل القطاعين العام والخاص لأسبوعين، وتم تمديد العطلة عدة مرات فيما شمل آخر تمديد القطاع العام فقط لنهاية رمضان، ولم يشمل منشآت القطاع الخاص، في إطار الإجراءات المتخذة لمواجهة وباء كورونا.
ورصد المرصد العمالي انتهاكات وصفها بـ"الخطيرة" بحق العمال في ظل أزمة كورونا، مشيراً إلى أنّ هذه الانتهاكات "اتسمت بطابع امتهاني لحقوق العاملين والذين جلّهم من العمالة الوافدة، إذ تستغل إدارة بعض المصانع عزلة هؤلاء العمال للاستفراد بهم وبحقوقهم"، والمثال على ذلك أنّ مصنعاً هّدد العاملين فيه بالفصل إذا ما تم "الإفصاح" عن واقعهم اللاإنساني.
المرصد العمالي، وفي ورقة أعلنها بمناسبة يوم العمال العالمي، قال إنه "وفي الوقت الذي يحتفل عمال العالم والعمال في الأردن بيوم العمال العالمي، كمناسبة تجسد نضالات وجهود العاملين بأجر لتحسين شروط عملهم وفق معايير العمل اللائق وشروط العمل العادلة والمرضية المتعارف عليها دولياً، قامت الحكومة الأرنية بإجراء تعديلات على قانون العمل تشكل انتهاكات صارخة لحقوق العاملين في تشكيل نقابات وإجراء مفاوضات جماعية".
ورأى أنه "بذلك تم إحكام السيطرة على الحركة النقابية الأردنية، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى تراجع مختلف مؤشرات العمل ويزيد من مساحة الانتهاكات العمالية في الأردن".
وأضاف أن "غالبية العاملين بأجر في الأردن يعانون من ظروف عمل صعبة وغير عادلة وغير لائقة، سواء من حيث عدم توفر فرص العمل اللائقة وارتفاع معدلات البطالة خاصة لدى فئة الشباب، وانخفاض مستويات الأجور واتساع ظاهرة العمل غير المنظم والعمالة الفقيرة، وعدم تنظيم العمالة المهاجرة (الوافدة) وغياب الأمن والاستقرار الوظيفي، واتساع رقعة الانتهاكات والاعتداءات على حقوقهم العمالية والإنسانية الأساسية المنصوص عليها في تشريعات العمل الأردنية والدولية".
كما أنّ عدداً كبيراً من المنشآت، وفق المرصد، لم تدفع أجور أشهر يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط ومارس/ آذار وإبريل/ نيسان، أيّ أنّها لم تلتزم بأجورهم قُبيل وصول جائحة كورونا إلى الأردن، ولكنّها أيضًا استغلت الوباء لـ"هضم" مستحقات العاملين.
وفي سياق عرضه للانتهاكات بحق العمال، ذكر المرصد أنّ "أحد المصانع يعمل فيه عشرون عاملاً وهؤلاء لم يتم تقديم الطعام لهم، بل والأنكى من ذلك أنّ المصنع لا يوفّر حتى المياه لهم، بالرغم من أن المصنع لا يزال مستمرًا في عمله".
و"ثمة مصنع آخر يصل عدد العاملين فيه إلى 800 عامل، وهم عمال سريلانكيّون وبنغال وهنود، لم يحصلوا على أجر مارس/ آذار كاملاً، وزيادةً على ذلك، فإن وجبات الطعام التي تقدم لهم غير كافية من وجهة نظرهم"، وفق المرصد.
رئيس المرصد العمالي قال أيضاً إنّ "عدد الانتهاكات بحق العمال ارتفع، العام الماضي، ليبلغ 250 انتهاكاً شملت الفصل من العمل، وساعات العمل الطويلة، وعدم توفير التأمينات الصحية، وتزايد رقعة الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون"، لافتاً إلى أنّ عمليات التفتيش التي تقوم بها وزارة العمل "لا تزال غير قادرة على وضع حد للتجاوزات والمخالفات التي تقوم بها فئات كبيرة من أصحاب الأعمال".
ويوضح كذلك أنّ "هناك انتهاكات تتعلق بساعات العمل، إذ إنّ العديد من القطاعات العمالية يعمل فيها العاملون ساعات تتجاوز ساعات العمل الأسبوعية التي نص عليها قانون العمل، من دون الحصول على بدل عمل إضافي".
كما تغيب شروط السلامة والصحة المهنية والاجتماعية عن قطاعات واسعة من العاملين في المؤسسات المتوسطة والصغيرة والعاملين في الاقتصاد غير المنظم، اللازمة للعمال، بحسب رئيس المرصد الذي توقع "ارتفاع الانتهاكات بشكل كبير هذا العام" بسبب جائحة كورونا.
كما يعاني سوق العمل الأردني من انخفاض ملموس وكبير في مستويات الأجور للغالبية الكبيرة من العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص، إذا ما أخذت بعين الاعتبار مستويات الأسعار لمختلف السلع والخدمات، ما أدى إلى اتساع رقعة العمالة الفقيرة.
فالغالبية الكبيرة من العاملين بأجر، وفق المرصد، "لا يحصلون على أجور توفر لهم الحياة الكريمة لقاء عملهم الأساسي، وهنالك فجوة كبيرة بين معدلات الأجور التي تحصل عليها الغالبية الساحقة، وبين قدرة هذه الأجور على توفير حياة كريمة لها".
وتشير الأرقام الرسمية لمستويات الفقر المطلق في الأردن إلى اقترابه من 635 دولاراً شهرياً للأسرة المعيارية المكونة مما يقارب 4.8 أفراد، وعند التعمق في شرائح الأجور التي يحصل عليها العاملون، يتضح أن ما يقارب ثلثي العاملين في الأردن (66.1%)، بحسب أرقام المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، يحصلون على رواتب شهرية تبلغ 700 دولار وما دون.
ولم يتم تعديل الحد الأدنى للأجور على الرغم من صدور قرار برفعه إلى 367 دولاراً، إلا أنه جرى وقف تنفيذ القرار حتى بداية العام المقبل 2021.
ولا تزال الحمايات الاجتماعية للعاملين في الأردن "ضعيفة"، وفق توصيف المرصد، حيث إن تغطية المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ونظامي التقاعد المدني والعسكري لا تغطي أكثر من 60% من القوى العاملة في الأردن البالغ عددها ما يقارب 2.6 مليون عامل، حسب تقديرات رسمية.