دولة كردستان المستقلة.. لماذا الآن؟

20 يوليو 2017
+ الخط -
أعلن رئيس إقليم كردستان العراق، المُلا مسعود البرزاني، عن إجراء استفتاء يوم 25 سبتمبر/ أيلول 2017 بشأن انفصال الإقليم عن دولة العراق، وإقامة دولة كردية مستقلة.
حلم دولة كردستان الكبرى قديم التفّ حوله الشعب الكردي منذ أزيد من مائة عام، مع اتجاه الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى إلى إعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط، وترتيب أوضاع تركة دولة الخلافة العثمانية، ولكن جاءت اتفاقية سايكس - بيكو 1916، وما أعقبها من تفاهمات واتفاقيات، جاءت كلها بما لا يتمناه الشعب الكردي، فقد كان هناك اتفاق عام بعدم السماح بإقامة دولة كردية مستقلة، حتى لا تترتب على ذلك مشكلاتٌ فى أربع دول إقليمية ناشئة، تركيا والعراق وإيران وسورية. استمرت المعارضة الدولية لقيام أي دولة قومية للأكراد، على مدى المائة عام الماضية، على الرغم من قيام حركات كردية عديدة مطالبة بالاستقلال، خصوصا في تركيا التي تضم العدد الأكبر من الأكراد (حوالي 15 مليون نسمة)، بقيادة حزب العمال الكردستاني، والذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية بعدما اتجه إلى العنف. وما زالت المشكلة قائمة. وفي إيران التي تضم حوالي خمسة ملايين كردي، تمكنت السلطة، سواء إبان حكم الشاه، أو في أعقاب ثورة الخمينى، من السيطرة على الحركة الكردية، بأساليب مختلفة. وبالطبع، كان من السهل السيطرة على أي تحركاتٍ كرديةٍ في سورية التي لا يتجاوز تعداد الأكراد فيها المليون، ومثلهم في أذربيجان وأرمينيا.
أما إقليم كردستان العراق، فقد انتهى به الأمر، بعد مسيرةٍ طويلة من النضال، منذ قيام دولة
العراق الملكية في 1924، وما أعقب ذلك من تطوراتٍ ومتغيرات، حتى الغزو الأميركي في 2003، وسقوط نظام صدام حسين، انتهى الأمر بوضع خاص لإقليم كردستان العراق، أقل قليلا من الاستقلال، وأكبر قليلا من الحكم الذاتي، فهو إقليم له عَلم ورئيس منتخب وحكومة وبرلمان وجيش (البشمركة)، ومكاتب تمثيل دبلوماسية في السفارات العراقية.
استمر الوضع قائما أربعة عشر عاماً، منذ سقوط نظام صدام حسين وإعلان الدستور العراقي الجديد، شهد العراق خلالها أحداثاً جساماً، سقط ملايين القتلى والجرحى، وسالت أنهار من الدماء، ونزح وهاجر الملايين، وتم تدمير مدن وحواضر، وذلك كله تحت تأثير صراعات طائفية، وعرقية، تطورت إلى حروب مفتوحة مع دخول جماعات العنف والحركات المتطرّفة التي بلغت قمتها في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى الساحة العراقية، والتي بلغت ذروتها في إعلان قيام دولة الخلافة في الموصل، والتي استمرت قائمةً قرابة الأعوام الثلاثة، حتى تمكّنت الحكومة العراقية، بدعم من تحالف دولي، قادته الولايات المتحدة الأميركية، من استعادة الموصل، بعد حربٍ استمرت تسعة أشهر. والمثير أن إقليم كردستان العراق نجح في أن يبقى في منأىً عن كل تلك الصراعات، وانشغل بإقامة مقومات دولةٍ تنعم بالأمن والاستقرار.
في هذه الأجواء، أعلن المُلا مسعود البرزاني عن الاستفتاء المزمع في الإقليم في سبتمبر/ أيلول المقبل على الاستقلال عن العراق، وبالتالي قيام دولة كردستان العراق. وكرّر تأكيده على إجراء الاستفتاء في الموعد المحدد له، كما أعلن أن قيام دولة كردستان العراق المستقلة سيكون في ظل توافق عراقي وإقليمي ودولي.
جاءت ردود الأفعال مخالفة بشكل متفاوت للمواقف الثابتة على مدى المائة عام الماضية من رفض قيام أي دولة كردية مستقلة، وأن المسموح به لا يتجاوز حكما ذاتيا للأقاليم الكردية، بداية من الموقف العراقي الرسمي الذي لم يقابل الإعلان الكردي بموقفٍ حاسم، وآثر عدم التعليق بشكل محدد. وبالنسبة للموقف الإقليمي، وبالتحديد من الدول التي تضم أقاليم كردية، تركيا أعلنت تحفظها، إيران لم تبد رأيا محدّدا. أما الموقف الدولي، الولايات المتحدة الأميركية، وهي الأهم، أعلنت أن الوقت قد لا يكون مناسبا، حيث ما زالت مخاطر تنظيم الدولة الإسلامية قائمة. إنها تتحفظ على التوقيت، وليس على المبدأ. لم تعلق روسيا. وبطبيعة الحال، لا مجال للحديث عن موقفٍ عربي، فالعرب مشغولون بما هو أهم بالنسبة لهم، وهو مقاطعة قطر أو حصارها. أما تقسيم دولة العراق الذي سيفتح الأبواب أمام تقسيماتٍ أخرى، يجري الترتيب لها، ومقوماتها جاهزة في ليبيا واليمن، وربما في غيرهما.
لماذا الآن؟ أعتقد أن رئيس إقليم كردستان العراق، المُلا مسعود البرزاني، أحسن اختيار
التوقيت الذي يقدم فيه إلى العالم أوراق اعتماد دولة كردستان العراق المستقلة، وهو ما يؤكده المشهدان، العراقي والإقليمي، وتداخلاتهما الدولية. المشهد العراقي، وبعد الصراع الدموي 14 عاماً، أصبح مهيئاً للقبول بدولة فيدرالية متعددة الأقاليم، فما الذي يمنع قيام دولة كونفدرالية، تكون دولة كردستان عضواً فيها. وللمشهد الإقليمي جوانب متعددة. تركيا التي أعلنت صراحة تحفظها على الاستفتاء، لا يبدو أنها تعني ذلك واقعياً، فهي وثّقت علاقاتها بإقليم كردستان، وعقدت معه ما يكفى من اتفاقيات أمنية، واقتصادية مستقبلية. ومن مصلحة دولة كردستان المزمعة أن تبني علاقاتٍ وثيقة مع تركيا التي تمثل لها منفذاً مهماً إلى العالم، والبحار المفتوحة، بحكم كونها دولة حبيسة. أما إيران فقد وثّقت مبكرا علاقاتها مع كردستان العراق، وأكراد إيران لا يمثلون خطراً للجمهورية الإسلامية، فهم أقرب إلى الفرس من العرب. والمشهد العربي، خصوصا المحيط الإقليمي للعراق، يعاني من تصدّع شديد، سواء في سورية والصراع المفتوح، متعدّد الأطراف، على أرضها، أو في الخليج العربي، وما يشهده من أزمات وانقسامات، وحرب مفتوحة في اليمن.
يبقى سؤال: هل أصبحت دولة كردستان المستقلة، في شمال العراق، مطلباً عراقياً، خصوصاً للقوى السياسية الحاكمة (حزب الدعوة)، وقوى إقليمية، تركيا وإيران، وقوى دولية، أميركا وروسيا؟
إذا كان الأمر كذلك، فحتما سيشهد العالم، خلال بضعة أشهر، مسعود البرزاني يعلن قيام الدولة الكردية. ولننتظر بعد ذلك إعلان قيام مزيد من الدول المستقلة في منطقتنا، وهذه بداية النهاية للدولة القومية في عالمنا العربي الممزق، ووضع حجر الأساس للشرق الأوسط الجديد الذي يرتكز على قوى إقليمية ثلاثة، ليس من بينها دولة عربية، تركيا وإيران ودولة العدو الإسرائيلي.
2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.