قد يظن البعض أن دور أولياء أمور الطلاب بالمدارس في كندا هو مساعدة الأبناء في مذاكرة دروسهم لساعات طويلة كل مساء. بالطبع على الأمهات والآباء متابعة دروس أبنائهم وأدائهم الدراسي وتوجيههم أثناء أداء واجباتهم المدرسية من وقت لآخر، لكن ذلك يكون لأوقات محدودة وفي إطار المتابعة السريعة فقط، وليس بشكل يومي أو دائم.
ولكن الأهم، أن هناك دوراً آخر يلعبه أولياء الأمور بشكل أكثر كثافة في مدارس كندا، تلك الدولة الشمالية الشهيرة بجوها البارد، أيضاً بمركزها المرتفع عالمياً فيما يخص جودة التعليم بالمقارنة بغيرها من الدول: دورهم كمتطوعين في المدارس، سواء داخل الفصول الدراسية أو في الرحلات الخارجية، أو في إتاحة مصادر تمويل لأنشطة تعليمية وتكنولوحية وترفيهية مميزة ومتطورة في المدارس.
بداية، اسمحوا لي أن آخذكم للمدرسة التى التحق بها أبنائي هذا العام (2016-2017) في مدينة تورنتو. حيث يوجد لدى كل طفل في المدرسة جهاز iPad أو لابتوب خاص به داخل الفصل. لديهم أيضاً ألعابٌ تعليمية وأخرى ترفيهية بداية من مستلزمات الدراسة التقليدية كالأدوات المكتبية والكتب والأوراق، وانتهاء بأجهزة الروبوت robots وبمتطلبات برنامج STEM الخاص بتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة للأطفال في مراحل التعليم الأساسي. أتحدث هنا عن مدرسة عامة يحق لكل طفلة وطفل الالتحاق بها بدون أية مصروفات دراسية، طالما كان محل إقامة الطفل قريباً من موقع المدرسة.
ربما يظن البعض أن هذه الإمكانيات متوفرة لطلبة المدرسة لكون كندا دولة عظمى لديها ميزانية كبيرة. طبعاً لا يمكن إنكار ذلك لكن الواقع يحتوي على تفاصيل أخرى. فرغم الإنفاق الحكومى الكبير على التعليم، إلا أن هذا الإنفاق وحده لم يغط مجموعة كبيرة من الأجهزة التكنولوجية الحديثة والنشاطات التعليمية والترفيهية. جاءت نسبة من تمويل هذه المشروعات
من مصدر آخر وهو تطوع الآباء والأمهات بوقتهم وبجهدهم، سواء في إدارة بعض الأنشطة المدرسية والمشاركة فى تنفيذها أو من خلال تطوعهم لجمع تبرعات للمدرسة من خلال ما يسمى بمجلس الآباء.
مجلس آباء منتخب
في المدارس الكندية العامة يقوم الآباء والأمهات بانتخاب قادة وأعضاء مجلس الآباء. يتطوع هؤلاء المنتخبون ببعض من الوقت والجهد لمخاطبة جهات مانحة والبحث عن متبرعين لجلب التبرعات المالية والعينية للمدرسة. تصل التبرعات لآلاف الدولارات كل عام، تمنحها جهات متعددة مثل الشركات الخاصة التي تتبرع بانتظام في مختلف الاتجاهات لأن التبرع يحسن من وضعها الضريبي، كما أنه يعزز صورتها أمام الرأي العام والمجتمع، ويمثل أيضاً نوعاً من الترويج والدعاية غير المباشرة.
ويجب التنويه هنا على أنه هناك اعتبارات اجتماعية وأحياناً "طبقية" قد تؤثر على قدرة أولياء الأمور على النجاح في جمع تبرعات أكثر للمدرسة أو إتاحة كم أكبر من النشاطات التعليمية المتطورة، لكن التفاوت هنا محدود وهو ليس بالوضوح أو بالفجاجة التي نراها في الفجوة بين التعليم الحكومي والخاص مثلاً في بعض الدول العربية.
آباء متطوعون وأدوار لا تنتهي
يلعب أولياء الأمور أيضاً أدواراً بسيطة ولكنها فعالة جداً حتى لو كانت غير مرتبطة بجمع التبرعات مثلاً أو توفير الأجهزة التكنولوجية الحديثة. فمن من الأمهات والآباء في أي دولة وأي ثقافة لا يحب أن يرافق طفله يوماً للمدرسة، يراقب ابنه خطوة بخطوة ويتعرف على كيفية تفاعل ابنته مع أقرانها ومعلميها ومع أنشطة المدرسة المختلفة؟
يشارك أولياء الأمور باستمرار وبصور عديدة في مختلف المهام التعليمية والإدارية للمدراس الكندية العامة، مثل الإشراف على الرحلات المدرسية خارج الفصول الدراسية وعلى بعض البرامج وورش العمل والـ work stations داخل الفصول الدراسية (انظر مثلاً برنامج علماء في المدرسة: أثناء زيارة العلماء يتواجد عددٌ من الآباء والأمهات داخل الفصل لمساعدة العالم الزائر على تنظيم وإدارة الأنشطة والورش العلمية التي يشارك فيها الطلاب).
أما عن التطوع خارج الفصل، فقبل كل رحلة مدرسية يتلقى جميع الآباء رسائل من إدارة المدرسة ومن المعلمين المشرفين على الرحلة، يدعون من لديه الرغبة فى التطوع من الآباء لتسجيل أسمائهم كمرافقين مشرفين على الرحلة بالتنسيق مع المدرسة. من خلال تطوعهم في الرحلات، يبذل الآباء والأمهات جهداً ووقتاً في الإشراف على الرحلة جنباً إلى جنب مع معلمي المدرسة، وطبعاً يستمتعون بمرافقة أطفالهم للرحلة.
أيضاً يتطوع الآباء والأمهات لزيارة المدرسة للتحدث مع الطلاب عن عملهم وتجاربهم المهنية الشخصية من أجل إتاحة الفرصة للطلاب للتعرف على الحياة العملية على أرض الواقع. من ناحية أخرى، لنا أن نتخيل سعادة وثقة الطفل الذي تتواجد والدته أو والده في فصله لتحاضر زملاءه عن مهنته وأسرارها المشوقة.
هذه الأمثلة لا تشكل حصراً شاملاً لكل أدوار الآباء المتطوعين في المدارس، لكنها قد تكون نموذجاً ملهماً لتطوير التعليم الحكومي. لا يجب أن نفهم من هذا الكلام أنه يمكن للآباء المتطوعين أن يشكلوا بديلاً للحكومة نفسها. تبقى سياسات الحكومة التعليمية والميزانية الحكومية المخصصة للتعليم هي الأساس، لكن مشاركة أولياء الأمور تحت إشراف الحكومة تساعد على تنفيذ تلك السياسات وإتاحة المزيد من الموارد، كما أنها تخلق روحاً مجتمعية مميزة بين إدارة المدارس والمعلمين والآباء والطلاب.