04 ديسمبر 2022
دماء مصرية مستباحة في رمضان
محمد ثابت
حتى يوم الخميس الماضي (16/ 5/ 2019)، كان مصريون كثيرون، في بلدهم وخارجه؛ ومنهم كاتب هذه الكلمات، يحمدون الله على أن النظام الانقلابي استحى على دمه قليلًا خلال شهر رمضان، فأوقف المذابح التي تَزهق أرواح جديدة، ولا يكاد أحد يعرف حقيقة قتلها، ولكن وفرة المعلن عنه من إعدامات وقتل تجعل كثيرين يميلون إلى أن هؤلاء أبرياء تم تلفيق تهم لهم؛ أو تم إزهاق أرواحهم مباشرة.
على امتداد عشرة أيام مضت، كُنّا، نحن المصريين، نُمنّي أنفسنا أن يمر شهر الصيام على خير؛ فلا ينفذ النظام مزيدًا من أحكام الإعدام المُسيسة، خصوصاً أن هناك 76 محكومًا عليهم بالإعدام بشكل نهائي، بحسب تأييد محكمة النقض، تم تنفيذ الحكم في تسعةٍ منهم في أوائل مارس/ آذار الماضي، بالإضافة إلى زيادة اثنين عليهم قضت عليهم محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ يوم 12 مايو/ أيار الحالي.
وتبقى الأمنية أن تمر أيام رمضان ولياليه في خير على المصريين الذين يتجرّعون مزيداً من القهر الخاص بانعدام هامش الحرية تقريبًا على أغلب البسطاء منهم، وما أكثرهم، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار الحاد، مع قصور المرتبات وعجزها عن ملاحقته لأغلب أبناء الكنانة، وفي
أوضاع أمنية وسياسية عامة غير مسبوقة؛ صارت أقصى أمنية لملايين الأحرار أن تمر عليهم الأيام من دون مزيد من الدماء التي تُشعر جميع المخلصين بمزيدٍ من العجز والقهر، وفي ظل انقسام لمناوئي الانقلاب يزداد، صارت من الأماني العزيزة الإفراج عن بعض المعتقلين، سيما ممن يعانون من أمراضٍ مستعصية.
في غضون المأساة المتجدّدة، جاء رمضان السابع منذ انقلاب 3 يوليو ليشهد مئات الآلاف من المسجونين أو المطاردين أو المصابين؛ بالإضافة إلى مئات من المقتولين غيلة، هناك من يردّدون أن المُنفذ فيهم حكم الإعدام المُسيس قتلوا بحسب القانون، فيما القتلة من دون محاكمة قُتِلوا غيلة أو خارج القانون، والحقيقة أن الجميع أُزهقتْ أرواحهم غيلة وخارج القانون، فما قيمة المحاكمة الظالمة وما يُسمى حكم قاضٍ إذا صدر عن قراراتٍ مسيسةٍ؟ فالإعدام شنقًا هو نفسه في مصر اليوم في حق السياسيين كالقتل غيلة، كلاهما سواء بسواء خارج القانون الغائب في الأغلب الأعم.
أما الخميس 11 رمضان، 16 مايو/ أيار 2019، لم يكد المصريون يتساءلون عن سبب عدم احتفال مصر الانقلاب بذكرى حرب عزيزة (حرب العاشر من رمضان) على عدوٍّ أرهقها من قبل وما يزال، حتى فوجئوا في اليوم التالي بطوفان من الدماء مجددًا، فقد أعلن الجيش المصري عن مقتل 47 مسلحًا، من دون تحديد أسمائهم أو هوياتهم، أو حتى الطريقة التي ارتكب فيها هؤلاء جريمتهم، وسمّى الجيش المصري (بحسب التلفزيون الرسمي) القتلى إرهابيين، كالعادة، قضوا في شمال سيناء ووسطها. وزيادة في الإثارة، جاء البيان على وجود بنادق مختلفة الأعيرة وعبوات ناسفة معدّة للتفجير، مع الراحلين، وذكر أن خمسة من العسكريين قضوا في المواجهة، بينهم ضابط.
متى حدثت المواجهات المدعاة المزعومة بالتحديد؟ وبأي طريقة تمت؟ وكيف هاجم 47 دفعة واحدة خمسة عسكريين فحسب؟ وفي أي عددٍ من السيارات جاءوا؟ ومن كان في انتظارهم فقتلهم قبل أن يقتلوا الخمسة؟ أسئلة لا يجيب عنها النظام، بل لا فرصة، من الأساس لمحاولة طرحها. وقد قضى مئات من المصريين سابقًا بهذه الطريقة، هو بيان ينعى ويعلن وفاة أبرياء على الأغلب، ويدخل الحزن بيوت مزيد من المصريين، سواء من أهالي العسكريين أو الموصوفين من النظام بالإرهابيين، ولا أحد يعرف متى يتوقف مسلسل الدماء هذا، والأنكى هذه المرة الإعلان عن توقيف 158 فردًا ممن وصفهم النظام بـ "العناصر الإجرامية والمطلوبين
جنائياً والمشتبه بهم". وفي الأثناء، يتألم المصريون، ومعهم شرفاء الأمة، مما يحدث في بلدهم، ويبدو أن "الحبل على الجرّار"، كما يقول إخواننا الشوام، وعدد المخفيين قسرًا ارتفع ليصل إلى 158 مصريًا، ما يعني أنه قد يتم الإعلان عن قتل بعضهم خارج القانون بالإعدام، بحكم قضائي وقرار المفتي، أو خارج القانون بالتصفية، والإعلان عن محاولتهم الهروب أو ما شابه.
... في مذكّراته "كنتُ رئيسًا لمصر"، كتب اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر، إن الراحل جمال عبد الناصر، فيما عُرِفَ بأزمة مارس/ آذار 1954، كان يفتعل الأحداث الإرهابية ليُبقي على وجود الجيش في الحياة السياسية المصرية. وبالتالي كانت التفجيرات تأتي بحساب مدفوع لموالين للنظام، وذلك بإقرار الراحل عبد اللطيف بغدادي في مذكراته. ويبدو أن نظام عبد الفتاح السيسي أعجبته اللعبة؛ وإلا فلماذا لا تضرب مصر الهجمات الإرهابية وقت الاستفتاءات على التعديلات الدستورية، أو إقرار الدستور، أو حتى الانتخابات الرئاسية؟ بل أي تفجيراتٍ هذه التي تأتي في وقت مضبوط بدقّة بالغة، ليذكّر المصريين، إن حاولوا مجرّد التناسي والحياة بسلام، بأن النظام إنما يحكمهم بالبارود والنار، وأن القتل مصير من يتنفس، ثم الإعلان عن كونه إرهابياً من دون أي تفصيلٍ يليق بنفس (أي نفس) لا بشر!
جعل الله الأبرياء الذين يقتلهم نظام السيسي بدم بارد، بأي طريقةٍ كانت، جعلهم لعنةً على هذا النظام الانقلابي، وجسرًا يتحد عليهم الثوار، ليغرق النظام بإفاقة المصريين وانتباههم، ليغرق النظام المصري بدمائهم، من حيث أراد الإبقاء على نفسه.
وتبقى الأمنية أن تمر أيام رمضان ولياليه في خير على المصريين الذين يتجرّعون مزيداً من القهر الخاص بانعدام هامش الحرية تقريبًا على أغلب البسطاء منهم، وما أكثرهم، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار الحاد، مع قصور المرتبات وعجزها عن ملاحقته لأغلب أبناء الكنانة، وفي
في غضون المأساة المتجدّدة، جاء رمضان السابع منذ انقلاب 3 يوليو ليشهد مئات الآلاف من المسجونين أو المطاردين أو المصابين؛ بالإضافة إلى مئات من المقتولين غيلة، هناك من يردّدون أن المُنفذ فيهم حكم الإعدام المُسيس قتلوا بحسب القانون، فيما القتلة من دون محاكمة قُتِلوا غيلة أو خارج القانون، والحقيقة أن الجميع أُزهقتْ أرواحهم غيلة وخارج القانون، فما قيمة المحاكمة الظالمة وما يُسمى حكم قاضٍ إذا صدر عن قراراتٍ مسيسةٍ؟ فالإعدام شنقًا هو نفسه في مصر اليوم في حق السياسيين كالقتل غيلة، كلاهما سواء بسواء خارج القانون الغائب في الأغلب الأعم.
أما الخميس 11 رمضان، 16 مايو/ أيار 2019، لم يكد المصريون يتساءلون عن سبب عدم احتفال مصر الانقلاب بذكرى حرب عزيزة (حرب العاشر من رمضان) على عدوٍّ أرهقها من قبل وما يزال، حتى فوجئوا في اليوم التالي بطوفان من الدماء مجددًا، فقد أعلن الجيش المصري عن مقتل 47 مسلحًا، من دون تحديد أسمائهم أو هوياتهم، أو حتى الطريقة التي ارتكب فيها هؤلاء جريمتهم، وسمّى الجيش المصري (بحسب التلفزيون الرسمي) القتلى إرهابيين، كالعادة، قضوا في شمال سيناء ووسطها. وزيادة في الإثارة، جاء البيان على وجود بنادق مختلفة الأعيرة وعبوات ناسفة معدّة للتفجير، مع الراحلين، وذكر أن خمسة من العسكريين قضوا في المواجهة، بينهم ضابط.
متى حدثت المواجهات المدعاة المزعومة بالتحديد؟ وبأي طريقة تمت؟ وكيف هاجم 47 دفعة واحدة خمسة عسكريين فحسب؟ وفي أي عددٍ من السيارات جاءوا؟ ومن كان في انتظارهم فقتلهم قبل أن يقتلوا الخمسة؟ أسئلة لا يجيب عنها النظام، بل لا فرصة، من الأساس لمحاولة طرحها. وقد قضى مئات من المصريين سابقًا بهذه الطريقة، هو بيان ينعى ويعلن وفاة أبرياء على الأغلب، ويدخل الحزن بيوت مزيد من المصريين، سواء من أهالي العسكريين أو الموصوفين من النظام بالإرهابيين، ولا أحد يعرف متى يتوقف مسلسل الدماء هذا، والأنكى هذه المرة الإعلان عن توقيف 158 فردًا ممن وصفهم النظام بـ "العناصر الإجرامية والمطلوبين
... في مذكّراته "كنتُ رئيسًا لمصر"، كتب اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر، إن الراحل جمال عبد الناصر، فيما عُرِفَ بأزمة مارس/ آذار 1954، كان يفتعل الأحداث الإرهابية ليُبقي على وجود الجيش في الحياة السياسية المصرية. وبالتالي كانت التفجيرات تأتي بحساب مدفوع لموالين للنظام، وذلك بإقرار الراحل عبد اللطيف بغدادي في مذكراته. ويبدو أن نظام عبد الفتاح السيسي أعجبته اللعبة؛ وإلا فلماذا لا تضرب مصر الهجمات الإرهابية وقت الاستفتاءات على التعديلات الدستورية، أو إقرار الدستور، أو حتى الانتخابات الرئاسية؟ بل أي تفجيراتٍ هذه التي تأتي في وقت مضبوط بدقّة بالغة، ليذكّر المصريين، إن حاولوا مجرّد التناسي والحياة بسلام، بأن النظام إنما يحكمهم بالبارود والنار، وأن القتل مصير من يتنفس، ثم الإعلان عن كونه إرهابياً من دون أي تفصيلٍ يليق بنفس (أي نفس) لا بشر!
جعل الله الأبرياء الذين يقتلهم نظام السيسي بدم بارد، بأي طريقةٍ كانت، جعلهم لعنةً على هذا النظام الانقلابي، وجسرًا يتحد عليهم الثوار، ليغرق النظام بإفاقة المصريين وانتباههم، ليغرق النظام المصري بدمائهم، من حيث أراد الإبقاء على نفسه.
دلالات
مقالات أخرى
31 أكتوبر 2022
09 سبتمبر 2022
10 يوليو 2022