دماء الأضاحي لطرد "العين الشريرة"

01 سبتمبر 2017
قبل ذبحه (جلال مرشدي/ الأناضول)
+ الخط -
لم يُسمّ المغاربة عيد الأضحى بـ"العيد الكبير" عبثاً. بالنسبة إليهم، يستحق العيد الكثير من الحفاوة والتبجيل، ويترافق مع العديد من الطقوس الاحتفالية. ويمكن القول إنّ بعض العادات المغربية قد تصل إلى حد "الشعوذة". قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، تدبّ حركة غير اعتيادية في مختلف مناطق ومدن وباديات المغرب، بسبب اقتراب يوم الأضحية. وتباع الأكباش والأبقار، وتنتعش مهن موسمية، منها الجزارة و"تقطيع لحوم الأضاحي". ويحمل العديد من الشباب، حتى الهواة منهم، السكاكين لتقطيعها.

يقول شاب اعتاد العمل جزاراً في عيد الأضحى، رغم أن مهنته بعيدة عن هذا المجال، لـ"العربي الجديد"، إنه ينحر نحو عشرين كبشاً خلال العيد، مضيفاً أنه يهوى هذه المهنة، وقد تعلمها من والده الذي كان يعمل جزاراً. يضيف أن العمل في العيد يكسبه بعض المال الذي يستفيد منه في أموره الشخصية. من جهة أخرى، يبدي انزعاجه من المتطفلين الذين يستغلون هذه المناسبة لارتداء وزرة بيضاء وحمل سكاكين وبعض الأدوات الأخرى، ويقفون على الرصيف ويدعون أنهم جزارون، بهدف ربح المال فقط.

إضافة إلى الجزارة، تنتعش مهنة أخرى في المجتمع المغربي، وهي شيّ رأس الكبش فوق النار. ويعمل شبان على حرق أغصان الأشجار والعجلات المطاطية، في مقابل الحصول على مبالغ مالية زهيدة. لكنّ المثير في عيد الأضحى ليس المهن الموسمية التي تظهر وتختفي سريعاً مع انتهاء المناسبة الدينية، بل طقوس أيام العيد، وبعض المعتقدات الغيبية.

بعض العائلات في البلاد، خصوصاً النساء، يحرصن على التبرّك بدماء كبش عيد الأضحى، لطرد الجن والأرواح الشريرة من المنزل طيلة عام كامل، وإلى حين حلول عيد الأضحى المقبل. كذلك، تساعد دماء الكبش، بالنسبة إليهن، في تطويع الزوج، أو إرجاع الحبيب الغائب، أو حتى التفريق بين زوجين.


وتتحدّث السعدية معروض (58 عاماً)، وهي ربة بيت، لـ"العربي الجديد"، عن طقس الدم بعد نحر الأضحية. تقول إنها خلال العام الماضي، مسحت جبهة ابنتها التي ترغب في الزواج، بدم الخروف، لأنها سمعت من جاراتها أن هذا يجلب الحظ للفتاة التي فاتها قطار الزواج. تضيف: "هذا العام أيضاً، سأعمد إلى مسح دم الأضحية في مختلف أنحاء جسدها، لطرد العين الشريرة التي تلاحقها، وتمنعها من الاقتران بزوج يسترها". وتؤكد أنّ بعض جاراتها حققن أمانيهن من خلال دماء الأضاحي.

وتتنافس نساء أخريات على دماء الكبش المنحور لتوّه من أجل دهن جدران البيت بها، ورسم شكل يد عليها، اعتقاداً منهن ببركة هذه "الهدية"، وقدرتها على تحويل البيت إلى مكان آمن بعيداً عن شرور الجن والأرواح الشريرة، واتقاء أذى العين. وتؤكد بهيجة، التي دأبت على هذا الطقس منذ سنوات، أنها تشعر براحة نفسية كبيرة حين ترى دماء الكبش على الأرض، ثم ترسم شكل اليد على حائط المنزل طلباً للبركة وطرداً للمشاكل. كذلك، تدهن وجوه بناتها لأن ذلك يمنحهن النضارة. بالنسبة إليها، فإنّ هذه الطقوس لا تؤذي أحداً، بخلاف أخريات يقمن بأعمال مخيفة. فبعض النساء يسارعن إلى الحصول على مرارة الكبش وأخذها إلى الساحر، بهدف تشتيت شمل خصومهن وأعدائهن.

طقس احتفالي آخر يتجلّى في تخضيب رأس الخروف ليلة العيد بالحناء، من أجل تزيينه والتقاط الصور برفقته. ويعتقد البعض أن هذا الأمر هو فأل حسن للعائلة والبيت، نظراً إلى أهميّة مادة الحناء بالنسبة للمغاربة، الذين يعتبرونها مباركة.

إلى ذلك، تعمد نساء متزوجات حديثاً إلى ركوب الخروف صبيحة يوم العيد، وقبل موعد النحر، إذ يعتقدن أن ذلك يؤدي إلى تطويع الزوج، فيما ترش أخريات الملح على دماء الكبش، أو تضعنه في فمه، اعتقاداً منهن بأن ذلك يطرد الأرواح الشريرة من البيت لمدة عام كامل. وبعد انتهاء عيد الأضحى، تحرص نساء على الاحتفاظ باللحم المقدد المجفف للأضاحي، وجمع 100 قطعة منها وإعداد الكسكس، وإعطاء هذه الوجبة للمرأة العاقر، باعتقاد أن هذا قد يخلصها من العقم.