دَقيقة صَمْت
أَنْتُمُ الذينَ وَجَدْتُم نِصْفكم الآخرَ
وعِنْدَكُم يَدٌ تَشُدُّ عَلَيْكُم بِعَطْف،
وكَتِفٌ تُسْنِدونَ إلَيْها مَرارَتَكم،
وجَسَدٌ يَؤازِرُ فَوْراتكم،
هَلِ احْمَرّتْ وجوهكم خجلاً بِسَبَبِ سَعادتِكُم العارِمة هذِهِ،
ولَو مَرّة؟
هَلْ فَكَّرْتُم أَنْ تَقِفوا دَقيقةَ صَمْت
على اليائسين؟
■ ■ ■
أَهْجُرُ الشِعر
أَن أهْجُرَ الشِعْرَ لا يَعْني الخيانة
لا يَعْني أَنَّني أَفْتَحُ نافِذةً لِلمُبادَلة.
انْتَهَتِ المُقَدِّمات، وحانَ وَقْتُ الطوفان.
مَن لَيسوا أَثَمةً كِفايةً عليهم أن يَصْمُتوا،
أَنْ يَنْظُروا بِأَيِّ طُرُقٍ يُمْكِنُهُم أَنْ يَيْأَسوا مِنَ الحَياة
أَن أَهْجُرَ الشِعْرَ لا يَعْني الخيانة.
لا يَتَّهِموني بِالسُهولة، بِأَنَّني لَمْ أَحْفِرْ عَميقاً،
بِأَنَّني لَمْ أَغْرِزِ السِكّينَ في أَكْثَرِ عِظامي عُرْياً.
لكِنَّني إنْسانٌ أنا أَيْضاً، تَعِبْتُ أَخيراً، بِأَيِّ كَلامٍ آخَرَ أَصِفُ ذلك،
أَهُناكَ تَعَبٌ أَشَدُّ هَوْلاً مِنَ الشِعْر؟
أَن أَهْجُرَ الشِعْرَ لا يَعْني الخيانة.
يَجِدُ المَرْءُ طُرُقاً كَثيرةً لِيُنَمِّقَ نَكْبَتَه.
■ ■ ■
إيثاكي
لا أَعْرِفُ إنْ كانَ رَحيلي نَتيجةً
أو هَرَباً مِنْ نَفْسي،
من إيثاكي الضَيّقةِ قَليلةِ الحُسْن
بِجَمْعيّاتِها المَسيحيّة
وأَخْلاقِيّاتِها الخانِقة
لكنْ لَمْ يَكُنْ حَلّاً، بَل نِصفَ تَدْبير.
ومُذْ ذاك أَتَسَكَّعُ مِنْ شارِعٍ إلى شارِع
وأَجْمَعُ الجِراحَ والخِبْرات.
الأَصْدِقاءُ الذين أَحْبَبْتُ قَدْ ضاعوا الآن
وبَقيْتُ وَحْدي أَرْتَعِدُ خِشْيةَ أَنْ يَراني أَحَدٌ
قَدْ كَلَّمْتُهُ سابِقاً عَنِ المُثُل...
الآنَ أَعودُ في مُحاوَلةٍ مَشْبوهة
لِأَظْهَرَ نَقيّاً، نَزيهاً، أَعودُ
وإنّي، رَبّاهُ، كالاِبْنِ الشاطِرِ يَتْرُكُ
النَزَق، مُتَمَرْمِراً، ويَرْجِعُ
إلى الأَبِ الطَيِّبِ القَلْب، لِيَعيشَ
في أَحْضانِهِ نَزَقهُ مُنْفَرِداً.
بوسيدونَ أَحْمِلُهُ دائِماً في داخِلي،
هذا الذي يُبْقيني دَوْماً بَعيداً.
لكنْ لَوْ حاوَلْتُ حَتّى أَنْ أَقْتَرِبَ
فَهَلْ عَسى إيثاكي أن تَجِدَ لي الحَلّ؟
■ ■ ■
عُرْوة
الآنَ وقَدْ مَحَوْتُكِ من قَلْبي
تَعودين أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ إلحاحاً
أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ تَعْذيباً.
لَيْسَ في عَينَيكِ رَأْفةٌ بي
لَيْسَ في كَلامِكِ حَنان
أَصابِعُكِ صارَتِ الآنَ أَقْسى
صارَتْ أَنْسَبَ لِعُنُقي.
■ ■ ■
النِهاية
الآنَ وقَدْ وَجَدْتُ حضْناً،
أَفْضَلَ مِمّا كُنْتُ أَشْتَهي،
وحَصَلَتْ لي كُلُّ الأُمورِ كَما كُنْتُ أَرْغَبُها
وصِرْتُ أَعْتادُ فَرَحي الخَفيّ،
أَشْعُرُ أَنَّ شَيْئاً في داخِلي يَهْتَرِئ.
* Dinos Christianopoulos شاعر يوناني معاصر، ولِد في ثيسالونيكي عام 1931. اسمه الحقيقي هو قسطنطين ذيميترياذيس. نتاجه الأدبي غني بالشعر كما بالنثر إضافة إلى الترجمة والنقد الأدبيّ. أطلق مجلّة شعرية عام 1958 استمرّ صدورها حتّى 1983. جرى تكريمه في مناسبات عدّة لكنّه رفض قبول التكريم.
** ترجمة عن اليونانية: روني بو سابا