24 سبتمبر 2020
دروس يناير السبعة
تمر، في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني الحالي، ست سنوات على الانطلاقة الشعبية المصرية، لعلها من أكثر سنوات التاريخ المصري المعاصر زخماً، فقد شهدت أحداثاً جساما، ومتغيرات حادة في كل مناحي الحياة السياسية، والاقتصادية، وامتدت إلى طبيعة العلاقات المجتمعية بين الناس، في ظل ما يشاهده المجتمع من حالة الاستقطاب الحادّة، والتي وصلت إلى الأسرة الواحدة، بل وصل التمزّق إلى الحد الذي ظهرت معه أغنية تقول "إحنا شعب وإنتو شعب".. بل تتمادى، وتقول إن لكل شعب منهما رباً "ليكم رب ولينا رب" (!). وبالطبع، كان لا بد أن يكون هناك اختلاف حاد في تعريف ما وقع من أحداث على مدى السنوات الست وتوصيفه، بدءاً من الحدث الرئيسي في 25 يناير2011، فهناك من يعرّفه ثورة، وهناك من يعتبره مؤامرة. ثم جاءت 30 يونيو/ حزيران 2013، وتظاهراتها، فهناك من يصنّفها ثورة تصحيحية، وهناك من يعتبرها ثورة مضادّة. وأعقبتها 3 يوليو/ تموز 2013، وإعلان القوات المسلحة خريطة جديدة للمستقبل، استبعدت الرئيس المنتخب، وحدّدت معالم فترة انتقالية جديدة تشرف عليها بنفسها، وهناك أيضاً من اعتبر ما حدث انقلاباً عسكرياً وتغييراً للسلطة بالقوة المسلحة، وهناك من اعتبر ذلك استجابةً من القوات المسلحة لنداء شعبي، وإنقاذاً للوطن. ثم جاء دستور 2014 لينص صراحة أن "25 يناير" ثورة، جرت على أساسها انتخابات رئاسية في العام 2012، وأن "30 يونيو" أيضاً ثورة، وجرت على أساسها انتخاباتٌ رئاسيةٌ جديدة فى العام 2014. وهكذا أصبح لدينا فى عامين ثلاثة رؤساء للجمهورية، رئيس جاء في زخم 25 يناير، ورئيس انتقالي، ورئيس جاء في زخم 30 يونيو.
ويبقى الحدث الأهم، والذي كان المحرّك الرئيسي لكل ما جرى، على مدى السنوات الست الماضية، هو حدث 25 يناير 2011، عندما خرج بضعة آلاف من المصريين يتقدّمهم الشباب، يرفعون شعارات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وتمكّن الأمن من تفريقهم، وفض تظاهراتهم، في نهاية اليوم نفسه سواء في ميدان التحرير في القاهرة، أو بعض المدن الأخرى، خصوصاً السويس، والإسكندرية، ثم ظهرت دعوات إلى التظاهر في الجمعة التالية 28 يناير، والتي أُطلق عليها جمعة الغضب، وقد كان. وخرجت الآلاف محتشدة في أعقاب الصلاة،
وتصدّت لها قوات الأمن، ولكن الأمر اختلف في تلك المرة، حيث انكسرت عناصر الأمن في مواجهة المتظاهرين الذين تضاعفت أعدادهم بانضمام آلاف جديدة إليهم، لتأخذ الأمور منحى جديداً، تمثل في الانفلات الأمني الشامل، ونزول القوات المسلحة إلى الشارع الذي غادرته عناصر الأمن الداخلي، وبدأ الاعتصام الشعبي الشهير في ميدان التحرير، وما صاحب ذلك كله من تطوراتٍ معروفة، انتهت يوم 11 فبراير/ شباط 2011، بتخلي حسني مبارك عن منصب رئيس الجمهورية، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد. وعلى الرغم من أن ذلك كان مخالفاً للدستور، فيما يتعلق بطريقة إدارة شؤون البلاد في حالة خلو منصب الرئيس لأي سبب، إلا أن الثوار رحبوا بالإجراء، واعتبروه انتصاراً، وما أعقب ذلك من فترة انتقالية ملتبسة، ومشحونة بأحداث دامية، عاماً ونصف العام، أعقبها انتخاب رئيس للجمهورية في غياب دستورٍ للبلاد، وفي ظل ظروفٍ سياسيةٍ شديدة الاضطراب، وكان أول رئيس مدني يتولى المنصب منذ يوليو/ تموز 1952، جاء من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ليقضي في المنصب عاماً واحداً مشحوناً بالأزمات، والاستقطابات السياسية الحادة التي أوصلت مصر إلى "30 يونيو"، وأعقبتها "3 يوليو" 2013، لتنُهى حكم الرئيس المنتخب قسراً، وتبدأ مرحلة انتقالية جديدة، يديرها هذه المرة رئيس مؤقت، وكانت مشحونة أيضاً بأحداث دامية، وانتهت بانتخاب رئيس جديد قادم من قيادة القوات المسلحة هذه المرة، وأعقب ذلك تعديل رئيسي للدستور، وانتخاب مجلس للنواب.
واليوم، وبعد مرور ست سنوات على انطلاقة ثورة 25 يناير، ما زالت شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية مرفوعة، تبحث عن سبيل إلى تحقيقها في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى الإرهاب الأسود الذي يضرب سيناء، ويتجاوزها أحيانا إلى قلب البلاد، فما هي الدروس التى علينا أن نستخلصها من تجربة تلك السنوات الست، لعلنا نجد سبيلاً لتحقيق تلك الشعارات التي تُلبّي طموحات الأجيال المتطلعة إلى مستقبل مشرق بالأمل.
الدرس الأول هو استبعاد التفكير فى إمكانية العودة بالزمن إلى الماضي، وإستعادة لحظة 25 يناير 2011، بوقائعها وشخوصها ورموزها، ثم الانطلاق منها من جديد، بعد تصويب ما حدث من أخطاء، لأن التاريخ لا يعرف التكرار على طريقة "كلاكيت تاني مرة" كما في السينما عندما لا يرضى المخرج عن أداء الممثلين والمجاميع، فيعيد تصوير المشهد بعد تصويب الأداء، ليتماشى مع السيناريو المستهدف.
الدرس الثاني، خطأ التحرّك العشوائي للتيارات والجماعات السياسية المختلفة، وكل منها يحمل رؤيته الخاصة، وأيضاً لكل منها أيدلوجيته السياسية، أو الدينية، وافتقاد تلك التحرّكات إلى الرؤية والهدف الواضح الذي يسعى إليه الجميع، وهو ما يؤدي حتماً إلى التضارب والصدام، ويتيح الفرصة لبث الفرقة، وإفشال التحرّك في نهاية الأمر.
الدرس الثالث خطأ فكرة أن الحالة الثورية، فى حد ذاتها، للتيارات السياسية والأيدولوجية المختلفة، يمكن أن تكون عامل توحد أو تجمع لكل تلك التيارات، تحت شعارات مثل "الثورة تجمعنا، أو يناير يجمعنا"، لكن الأصح أن تتوافق كل التيارات على هدفٍ واحدٍ، يجتمعون عليه أولاً، ثم التخطيط المشترك للتحرك على أساس ذلك الهدف.
الدرس الرابع، خطورة الرهانات الخاطئة على قوى شعبية قد لا تكون قادرة، أو راغبة، في الحراك الثوري، في ظروف معينة، مثل الرهان على ثورة الطبقات المهمشّة، أو تحرّك الطلبة، أو تظاهرات العمال وإضراباتهم، أو اعتصامات العاملين في الحكومة وقطاعاتها العامة، لأن لكل من تلك القوى حساباتها، ودوافعها الخاصة التي يجب إدراكها.
الدرس الخامس، عدم الاستهانة بالخصوم، أو الأطراف المضادة للحراك الثوري، خصوصاً أصحاب المصالح، والمستفيدين من النظام، مهما بدا عليهم من ضعف أو تراجع، والذي ربما يكون مجرد انحناءٍ مصطنع لرياح الثورة، حتى يتم الانقضاض عليها.
الدرس السادس، ولعله الأكثر أهمية، وهو المتعلق بالعلاقة مع المؤسسات ذات الطابع الوطني، وتحديد أسلوب التعامل معها، والحرص عليها، وعدم استعدائها، خصوصاً مؤسسات الدفاع والمعنية بالأمن القومي للوطن، والمؤسسات الأمنية المعنية بالأمن الداخلي للمواطن، والهيئات القضائية، وتجنب الصدام معها.
وفي النهاية، يأتي الدرس السابع والأخير، وهو عدم الرهان على القوى الخارجية أياً كانت، وتحت أي ظروف، وإدراك أن العالم تحكمه المصالح، وليس الشعارات البراقة والقيم والمبادئ. وعلى الرغم من كل شيء، ستبقى "25 يناير" في وجدان الشعب المصري رمزاً لحلم العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، والذي حتماً سيتحقق.
ويبقى الحدث الأهم، والذي كان المحرّك الرئيسي لكل ما جرى، على مدى السنوات الست الماضية، هو حدث 25 يناير 2011، عندما خرج بضعة آلاف من المصريين يتقدّمهم الشباب، يرفعون شعارات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وتمكّن الأمن من تفريقهم، وفض تظاهراتهم، في نهاية اليوم نفسه سواء في ميدان التحرير في القاهرة، أو بعض المدن الأخرى، خصوصاً السويس، والإسكندرية، ثم ظهرت دعوات إلى التظاهر في الجمعة التالية 28 يناير، والتي أُطلق عليها جمعة الغضب، وقد كان. وخرجت الآلاف محتشدة في أعقاب الصلاة،
واليوم، وبعد مرور ست سنوات على انطلاقة ثورة 25 يناير، ما زالت شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية مرفوعة، تبحث عن سبيل إلى تحقيقها في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى الإرهاب الأسود الذي يضرب سيناء، ويتجاوزها أحيانا إلى قلب البلاد، فما هي الدروس التى علينا أن نستخلصها من تجربة تلك السنوات الست، لعلنا نجد سبيلاً لتحقيق تلك الشعارات التي تُلبّي طموحات الأجيال المتطلعة إلى مستقبل مشرق بالأمل.
الدرس الأول هو استبعاد التفكير فى إمكانية العودة بالزمن إلى الماضي، وإستعادة لحظة 25 يناير 2011، بوقائعها وشخوصها ورموزها، ثم الانطلاق منها من جديد، بعد تصويب ما حدث من أخطاء، لأن التاريخ لا يعرف التكرار على طريقة "كلاكيت تاني مرة" كما في السينما عندما لا يرضى المخرج عن أداء الممثلين والمجاميع، فيعيد تصوير المشهد بعد تصويب الأداء، ليتماشى مع السيناريو المستهدف.
الدرس الثاني، خطأ التحرّك العشوائي للتيارات والجماعات السياسية المختلفة، وكل منها يحمل رؤيته الخاصة، وأيضاً لكل منها أيدلوجيته السياسية، أو الدينية، وافتقاد تلك التحرّكات إلى الرؤية والهدف الواضح الذي يسعى إليه الجميع، وهو ما يؤدي حتماً إلى التضارب والصدام، ويتيح الفرصة لبث الفرقة، وإفشال التحرّك في نهاية الأمر.
الدرس الثالث خطأ فكرة أن الحالة الثورية، فى حد ذاتها، للتيارات السياسية والأيدولوجية المختلفة، يمكن أن تكون عامل توحد أو تجمع لكل تلك التيارات، تحت شعارات مثل "الثورة تجمعنا، أو يناير يجمعنا"، لكن الأصح أن تتوافق كل التيارات على هدفٍ واحدٍ، يجتمعون عليه أولاً، ثم التخطيط المشترك للتحرك على أساس ذلك الهدف.
الدرس الرابع، خطورة الرهانات الخاطئة على قوى شعبية قد لا تكون قادرة، أو راغبة، في الحراك الثوري، في ظروف معينة، مثل الرهان على ثورة الطبقات المهمشّة، أو تحرّك الطلبة، أو تظاهرات العمال وإضراباتهم، أو اعتصامات العاملين في الحكومة وقطاعاتها العامة، لأن لكل من تلك القوى حساباتها، ودوافعها الخاصة التي يجب إدراكها.
الدرس الخامس، عدم الاستهانة بالخصوم، أو الأطراف المضادة للحراك الثوري، خصوصاً أصحاب المصالح، والمستفيدين من النظام، مهما بدا عليهم من ضعف أو تراجع، والذي ربما يكون مجرد انحناءٍ مصطنع لرياح الثورة، حتى يتم الانقضاض عليها.
الدرس السادس، ولعله الأكثر أهمية، وهو المتعلق بالعلاقة مع المؤسسات ذات الطابع الوطني، وتحديد أسلوب التعامل معها، والحرص عليها، وعدم استعدائها، خصوصاً مؤسسات الدفاع والمعنية بالأمن القومي للوطن، والمؤسسات الأمنية المعنية بالأمن الداخلي للمواطن، والهيئات القضائية، وتجنب الصدام معها.
وفي النهاية، يأتي الدرس السابع والأخير، وهو عدم الرهان على القوى الخارجية أياً كانت، وتحت أي ظروف، وإدراك أن العالم تحكمه المصالح، وليس الشعارات البراقة والقيم والمبادئ. وعلى الرغم من كل شيء، ستبقى "25 يناير" في وجدان الشعب المصري رمزاً لحلم العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، والذي حتماً سيتحقق.