في المسافة بين الماضي والحاضر، بين أول اكتشاف للإنسان لمراحل تطور حياته الاجتماعية الأولى، بين اكتشافه الأول لأدوات الزراعة والصيد، في هذه المسافة بين السكن في الكهوف، وبين بناء قلعة بصرى الشاهقة، بين المكتشفات في الرقم الأثرية الأولى، وبين قصائد أبي تمام، في هذه المسافة تعيش محافظة درعا السورية، أو منطقة حوران، الخاصرة الخضراء الجنوبية لسورية، سلة القمح والخضروات، بوابة العبور إلى الحدود الجنوبية مع الأردن، وسيدة النخوة والشهامة.
تبعد هذه المحافظة حوالي 120 كيلومتراً جنوبي دمشق، وتبلغ مساحتها ما يزيد على 4600 كم مربع، وكان عدد سكانها قبل ثورة الكرامة يزيد على 600 ألف نسمة.
في درعا، لن يحتاج الزائر إلى الذهاب لأي متحف كي يتعرف إلى التاريخ. فالتاريخ فيها حاضر يقدم نفسه متباهياً واثقاً، يطل من كل حجر على زاوية. يتربع على سرير ابنة الملك في مدرج قلعة بصرى، ويطل من الزخرف النبطي على رأس عمود لم يزل يحتفي بشموخه العميق. فدرعا والسويداء، أي منطقة الجنوب السوري، هي متحف الآثار المفتوح حسب يونيسيف.
في درعا، لن يكون من السهل أبداً على أي باحث تاريخي أو منقّب عن الآثار، معرفة العمر الحقيقي للسيد التاريخ فيها. وذلك لأن هذا المكان الغني جداً بالحقيقة، لم يأخذ أبداً حقه من البحث اللازم. ولم تكلّف السلطات السورية نفسها يوماً عناء إرسال بعثات التنقيب الأجنبية إليه، كما فعلت مع آثار مدينة اللاذقية مثلاً.
لكن أقدم ما وصل منه إلى حد الآن، هو ما تركته لنا رسائل منطقة تل عمارنة التي اكتشفت في مصر في عام 1882، إذ ذُكِرت فيها مدينة درعا السورية، أو "درعات" كما وردت في لوائح تنتمي للقرن الرابع عشر قبل الميلاد. لذلك، فان الزائر في درعا سيشعر أنه موجود في منطقة تعود مع الزمن لأول مراحل التاريخ البشري، وسيعرف أنه واقف وبشكل حقيقي في مهد الحضارات.
إنّ أصل كلمة درعا هو كنعاني، وقد ذكرها الفرعون تحوتمس، كما ذكرها كتاب العهد القديم، وربما يكون سبب التسمية إلى طول العمالقة الذين سكونها في فترة ما قبل الكنعانيين.
تقول الاكتشافات القليلة، إن كل العصور التاريخية قد مرت من هنا، ابتداء من العصر الحجري ثم البرونزي، وإن كل الحضارات القديمة قد عاشت فيها، فمن العموريين إلى الكنعانيين ثم الآراميين، وبعدها جاء إليها الإغريق وبعدهم الرومان فالبيزنطيون، إلى أن صارت بصرى، العاصمة الثانية للعرب الأنباط، وبعدها مركزاً للعرب الغساسنة في القرن السادس بعد الميلاد، إذ إن هذه المدينة كانت محوراً مهماً لكل من عبر بها، وإن عمر بن الخطاب زارها وبنى فيها مسجده أو ما يسمى بـ "المسجد العمري".
في درعا، سيعثرُ الزائر على أكثر من عشرين موقعاً أثريّاً صنّفتها اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي الإنساني. وربما سيقف كثير في درعا المدينة وسيرى الكهوف والمساكن القديمة، كما أنه أيضاً سيدخل إلى الحمامات الرومانية وإلى المعبد، وقد يصلي بكل خشوع في المسجد العمري الشهير.
أما في مدينة بصرى، والتي تبعد 40 كم عن مدينة درعا، والتي عُرِفَت باسم بوصورا، أي ما يعني الحصن في العهد النبطي. فإنّ أوّل ما سيدهش القادم إليها، هو ذاك العملاق الشامخ في وسط المدينة. قلعة كاملة تعود للعصر النبطي تحتوي مدرجاً مبنياً على الطريقة الرومانية، يتسع لخمسة عشر ألف متفرج، لا تزال شاهقة رغم كل تلك السنين.
وإذا استطاع الزائر أن يفلت من سحر هذه القلعة ومدرجها، فلن يفلت من باب الهوى الذي يعود للقرن الثامن الميلادي، ومن باب النصر العريق فيها، ومن دير الراهب بحيرة الأثري الذي يعود للقرن الخامس الميلادي.
قد يترك الزائر بصرى، ليتجه إلى الموقع الأثري الثالث في محافظة درعا، إنها بلدة أزرع التي تبعد 80 كم جنوب دمشق والتي تحتوي على كنيسة القديس غاروغريوس أو كنيسة الخضر، كما تسمى الآن، وهي كنيسة أثرية غاية في الجمال، يعود تاريخها للقرن الخامس ميلادي.
اقــرأ أيضاً
تبعد هذه المحافظة حوالي 120 كيلومتراً جنوبي دمشق، وتبلغ مساحتها ما يزيد على 4600 كم مربع، وكان عدد سكانها قبل ثورة الكرامة يزيد على 600 ألف نسمة.
في درعا، لن يحتاج الزائر إلى الذهاب لأي متحف كي يتعرف إلى التاريخ. فالتاريخ فيها حاضر يقدم نفسه متباهياً واثقاً، يطل من كل حجر على زاوية. يتربع على سرير ابنة الملك في مدرج قلعة بصرى، ويطل من الزخرف النبطي على رأس عمود لم يزل يحتفي بشموخه العميق. فدرعا والسويداء، أي منطقة الجنوب السوري، هي متحف الآثار المفتوح حسب يونيسيف.
في درعا، لن يكون من السهل أبداً على أي باحث تاريخي أو منقّب عن الآثار، معرفة العمر الحقيقي للسيد التاريخ فيها. وذلك لأن هذا المكان الغني جداً بالحقيقة، لم يأخذ أبداً حقه من البحث اللازم. ولم تكلّف السلطات السورية نفسها يوماً عناء إرسال بعثات التنقيب الأجنبية إليه، كما فعلت مع آثار مدينة اللاذقية مثلاً.
لكن أقدم ما وصل منه إلى حد الآن، هو ما تركته لنا رسائل منطقة تل عمارنة التي اكتشفت في مصر في عام 1882، إذ ذُكِرت فيها مدينة درعا السورية، أو "درعات" كما وردت في لوائح تنتمي للقرن الرابع عشر قبل الميلاد. لذلك، فان الزائر في درعا سيشعر أنه موجود في منطقة تعود مع الزمن لأول مراحل التاريخ البشري، وسيعرف أنه واقف وبشكل حقيقي في مهد الحضارات.
إنّ أصل كلمة درعا هو كنعاني، وقد ذكرها الفرعون تحوتمس، كما ذكرها كتاب العهد القديم، وربما يكون سبب التسمية إلى طول العمالقة الذين سكونها في فترة ما قبل الكنعانيين.
تقول الاكتشافات القليلة، إن كل العصور التاريخية قد مرت من هنا، ابتداء من العصر الحجري ثم البرونزي، وإن كل الحضارات القديمة قد عاشت فيها، فمن العموريين إلى الكنعانيين ثم الآراميين، وبعدها جاء إليها الإغريق وبعدهم الرومان فالبيزنطيون، إلى أن صارت بصرى، العاصمة الثانية للعرب الأنباط، وبعدها مركزاً للعرب الغساسنة في القرن السادس بعد الميلاد، إذ إن هذه المدينة كانت محوراً مهماً لكل من عبر بها، وإن عمر بن الخطاب زارها وبنى فيها مسجده أو ما يسمى بـ "المسجد العمري".
في درعا، سيعثرُ الزائر على أكثر من عشرين موقعاً أثريّاً صنّفتها اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي الإنساني. وربما سيقف كثير في درعا المدينة وسيرى الكهوف والمساكن القديمة، كما أنه أيضاً سيدخل إلى الحمامات الرومانية وإلى المعبد، وقد يصلي بكل خشوع في المسجد العمري الشهير.
أما في مدينة بصرى، والتي تبعد 40 كم عن مدينة درعا، والتي عُرِفَت باسم بوصورا، أي ما يعني الحصن في العهد النبطي. فإنّ أوّل ما سيدهش القادم إليها، هو ذاك العملاق الشامخ في وسط المدينة. قلعة كاملة تعود للعصر النبطي تحتوي مدرجاً مبنياً على الطريقة الرومانية، يتسع لخمسة عشر ألف متفرج، لا تزال شاهقة رغم كل تلك السنين.
وإذا استطاع الزائر أن يفلت من سحر هذه القلعة ومدرجها، فلن يفلت من باب الهوى الذي يعود للقرن الثامن الميلادي، ومن باب النصر العريق فيها، ومن دير الراهب بحيرة الأثري الذي يعود للقرن الخامس الميلادي.
قد يترك الزائر بصرى، ليتجه إلى الموقع الأثري الثالث في محافظة درعا، إنها بلدة أزرع التي تبعد 80 كم جنوب دمشق والتي تحتوي على كنيسة القديس غاروغريوس أو كنيسة الخضر، كما تسمى الآن، وهي كنيسة أثرية غاية في الجمال، يعود تاريخها للقرن الخامس ميلادي.