درس ديمقراطي عربي لـ"العالم المتأخر"

30 يناير 2018
+ الخط -
يحضرني، أنا العربي المبتسم قهرا ومرضا، على طريق موت ينتظرني عند كل زاوية من "جنان عروبتي المؤجلة أبدا"، كيف قفز بأوج الثورة السورية "المحلل المربعاتي - الدوائرجي" ليخبرنا "نحن من صَنعنا وسَوقنا أردوغان". والـ"نحن" تلك عائدة على "البعث الديمقراطي جدا والقومي الممانع والمقاوم في سورية".

ثم ما لبث أحدهم أن زعق مسوفا "سنعطي درسا في الديمقراطية للعالم أجمع". والأمر كان يشير إلى دستور فُصّل على مقاس "ابن وحفيد" يسمى حافظ بشار حافظ الأسد، بطل وأول في كل شيء يخطر على بال مواطني "الجمهوملكية الأسدية - متعددة الجنسيات لاحقا".

قبل نحو 4 سنوات حضر في "رئاسيات سورية 2014" ما سمي "منافسة 3 مرشحين للأسد في الانتخابات الرئاسية".

أنظر حولي في 2018، غير مندهش من مخيمات الذل والعار لمهجرين ونازحين ولاجئين، عدا عن كل جردة الدمار بالبراميل وصواريخ الفيل ومعاول "ممانعة" أوركسترا روسيا وإيران ونبرة تهكم حسن نصر الله، الممتدة من أفغانستان إلى بيروت، ومن فاشيي اليونان وألمانيا وإيطاليا وروسيا، وتأييد شوفينيي "الشيوعية" السابقة، المبشرين بقوة الشعبوية في أوروبا، فأستغرب شعوري بالضآلة أمام ما قُدم للسوريين من "نعمة الأمن والأمان بعد أعراس الديمقراطية"، وهم ما يزالون "ناكرين للجميل".


لكن، حقا، ما هي أخبار كينيا وليبيريا ورواندا وتيمور الشرقية والهند وبنغلاديش وتركيا؟ أعني كيف حال الشعب في تعلمه لـ"الدرس الكوني الأسدي في الديمقراطية"؟ طبعا بعيدا عن "البيان الخماسي" ورعاية بوتين وخامنئي وأردوغان لإعادة النظر بدستور بشار "الديمقراطي" في "سوتشي" الروسية اليوم، والدرس في التطهير القومي والعرقي بالأمس.

ولمَ نذهب بعيدا؟

هاكم درسا في "أم الدنيا". فالأسد ليس أشطر بإعداد مسرح الديمقراطية. في مصر العريقة، ذات النخب الأعرق، من مثل النائب الصحفي "القومي، المعادي لدولة الاحتلال والرجعية العربية"، إن تعلق الأمر بغير مصر بالطبع، يبشر شعبه، العزيز على قلبه منذ أيام المجلس العسكري، أن "السيسي (الذي رأى فيه عبد الناصر؛ وأي ناصري هذا الذي يقول:الناصرية نسخة مصغرة من القائد السيسي؟)، لن يكون مرشحا وحيدا".

إذن، أبشر أيها المواطن العربي في الجمهوملكيات الوراثية، التي لا تعيش أبدا آفة فساد العسكر والشرطة والقضاء وحرامية الرز والسكر، وتخليد رئيس غير قادر على ارتشاف قهوته، إذ من هو هذا "الهندي والبنغالي والأفريقي والآسيوي والأميركي اللاتيني، بل والتركي والفنلندي"، الذي تظن أنه يعيش تجربة اختيار نوابه ومن يحكمه؟ مصر "البلد الوحيد في العالم الذي يعيش فيه 100 مليون إنسان، زائدون عن الحد المعقول لصنع التقدم المنشود". لا تستغرب، إذ "ها هنا هي المشكلة"، عند "طبيب الفلاسفة".

والقصة بسيطة جدا فيما يبدو، لن أموت دون أن أعيش فرحة أن أرى رئيسا عربيا سابقا، مثل التونسي المنصف المرزوقي مثلا؟ وفي تلك مأساة أخرى من مآسي زمن النزول عن الجبل مبكرا وتبادل نخب النصر قبل أن تقطف مقصلة، لم يعدها الثوار، رؤوسا دوختهم بأموال صبي يظن أن لعبة الأوطان، والنفوذ، من اليمن إلى ليبيا ليست سوى لعبة "خير".

أيضا وأيضا.. لا بد لنا، في بكائية واقعنا الرث، المتقدم تقدمية تغار منها ديمقراطية الرفيقين أونغ وبوتين، وموغابي، قبل أن ينقلب عليه رفاقه لسماجة الصورة، والثاثر أكثر من "ثورية الخميني"؛ فالأخير "قطف كل الرؤوس" وأبقى على لسان عربي يقول لنا نكاية مذهبية "أيها العرب كونوا بديمقراطية إيران"، فاصل سوريالي؟ أبدا. إلا أن نأخذ درسا ديمقراطيا من السلفية وعمامات الدين في بيروت وطهران وأبوظبي ونمضي فرحين بما أنعم الله علينا من "أمن وأمان".

ففي لغة العرب المعاصرة "الضرورة" لا تنطبق سوى على "القائد، النخبة، الفساد، التأخر، مواجهة المؤامرة الإمبريالية والكونية، حفظ السيادة والكرامة الوطنية إلى آخره" من مطالعات تراجيديا "لو جلد ظهرك".

كل "رئيس"، وحتى أصغر نائب، بالوراثة أيضا، ضرورة من ضرورات مواجهة المؤامرة. لكن لا مشكلة إن واجهناها بصفقة عصر من جهة، تبيع حتى القرآن، والإسراء والمعراج، وأن نلعن سنسفيل أميركا إن "قلصت معونتها" في الأخرى.

السيادة أيها السادة.. ذلك هو السؤال.. أن نحيا بكرامة، أو حرية صحافة وتفكير وركل طابور العيش والسمن والرز والسكر، والدوران كالثيران، وبالمناسبة هو زمننا، زمن الثيران، ليست التي تتكتل بوجه أسد أفريقي في السافانا لتنفذ فريسة من براثنه، بل زمن عربي تؤكل فيه الثيران، فتقاد العقول كقطيع.. كلها لا تستحق شيئا في سبيل مواجهة المؤامرة بالطبع.. ثم "نحمد الله حمدا كثيرا، على النعمة التي يحسدنا عليها عرب الشمال" وفي الأخرى "على نعمة الأمن والأمان؛ فلم نصبح كالعراق وسورية وليبيا.."، فالسيادة لا تليق بنا.. يقول جمع "مات الملك.. عاش الملك".. ولا يليق بنا أن "نقف بوجه من ضحى بنفسه من أجل إنقاذ البلد من الأخونة؟".

فليجبنا أيها السادة واحد منكم، ماذا كانت تعني الأخونة؟ أهي مثلا ألا تجبن وتدجن 6 إبريل؟ ولا أن يهرب باسم يوسف؟ ولا يُعتقل الصحفيون ويضرب ويُعدم كل من فتح فمه؟ وألا يجرم التجمع لأكثر من 5 أشخاص؟ والإتيان بونش لخلع باب القصر احتجاجا؟ ولا يحجر على الرأي بتهمة "العمالة"؟ وألا يكون هناك أشرف، يشرف على الشاشة التي يتسيدها من يدعي بأن "السيسي أنقذ شرفكم من الوحل"؟.

ليتها كانت أخونة يا سادة.. ليتها كانت مؤامرة وإمبريالية.. ليتها كانت ليبيريا وكينيا وجنوب أفريقيا وبنغلاديش وماليزيا والهند وإندونيسيا.. وحتى "عثمانية جديدة"… ليتها كانت أي شيء.. سوى أن نموت ونحن نهذي كذبا أننا "نعيش عرسا ديمقراطيا".

لا تقل لي: يا رجل افرح وامض..
فليفرح رفاق تشي غيفارا، مهما بدا لهم، وهم "يلولكون" عن "الصفعة" ويشاركون بها تقبيلا لليد التي تصفع بشرا وتغني "تسلم الأيادي".. وليفرح من يردد بأن المسلم لا يكذب.. ثم يعيشون على ضفافه فرحين بما يبثه مُستأجرون يستلبون العقول قرصنة ومزيدا من تنفس الكذب.. وليفرح كل الفرحين بـ"الأمن والأمان"..

لكن، لا تسمعوننا بكائيات الغد عن "قهر الرجال".. فقد استُبدل بعضهم بثيران ملونة.. تنتظر دورها.. وبفرح: "طار راس مرسي".. و"لتسقط المؤامرة الكونية الإمبريالية، فليفرح الغرب والشرق كل الفرح ونحن نقيم أفراحنا بالانتصار في عدن وعلى الدوحة وسرعة الشتيمة في أخلاق "صبيان الحكم".. هنيئا أيها "السادة".. فالعرس قائم.

يا رجل القطيع، "أغمض عينيك وامض في فرحك"... على النعمة بالزعيم الملهم يلقي عليك "آياته البينات"..