19 نوفمبر 2024
داعش والأردن.. التهديد أكثر اقتراباً
لم تتضح بعد حيثيات التفجير في مخيم الركبان للاجئين السوريين على الحدود الأردنية الشمالية الشرقية مع سورية، والمجاورة للحدود العراقية، إذ انفجرت السيارة المفخخة، يوم السبت الماضي، في سوق المخيم، لتوقع عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين.
على الأغلب، يقف تنظيم داعش وراء العملية، وأنّها فاشلة، لم تكتمل. لكن ما يصعب التنبؤ به ما إذا كان الهدف الرئيس لها الجنود الأردنيين في النقطة الحدودية هناك، على غرار الهجوم الذي نفّذه التنظيم في العام الماضي، وأدى إلى قتل جنودٍ ورجال أمن أردنيين وإصابة آخرين، أم أنّ المستهدف بعض فصائل الجيش السوري الحرّ التي تتعاون مع الأردن، وتحاول المساعدة في إقرار الاستقرار والأمن في المخيم الذي يؤوي نحو 100 ألف لاجئ سوري، نسبة كبيرة منهم أطفال ونساء.
تعزّز المفخخة (هنالك تسريبات أنّ عمليات سابقة استهدفت جيش سورية الجديد في منطقة الركبان) القراءة الرسمية الأردنية، غير المعلنة، والتي أصبحت تنظر إلى المنطقة الشمالية الشرقية للمملكة، وتلاصق دير الزور وبادية الشام وريف حمص، بوصفها التهديد الخارجي رقم 1، والمتوقع أن تصبح معقلاً رئيساً للتنظيم في صيف العام الحالي، بعدما يخسر سيطرته على مدينة الموصل، وتزداد الضغوط الأميركية عليه في مدينة الرقة شمال سورية.
إذاً، أضحى الخطر أكثر اقتراباً ووضوحاً بالنسبة للأردن، وتعزّز معادلة "داعش ما بعد الموصل" المخاطر ولا تلغيها، وتجعل من الحدود الشمالية بمثابة مصدر أكبر في التهديد الأمني، خصوصاً إذا أضفنا إلى بادية الشام تعزيز التنظيم وجوده في درعا في الريف الغربي، عبر ما يسمى "جيش خالد بن الوليد" الموالي له.
معضلة المنطقة الشمالية- الشرقية، وبصورة خاصة التعامل مع مخيم الركبان، تكمن في تداخل الاعتبارات العسكرية والأمنية والإنسانية، وتعدد أبعاد التعامل مع هذا الملف الشائك، فالأردن عمل بعد تفجير الركبان الأسبق، في النقطة الحدودية، على تعزيز الاحتياطات العسكرية وإغلاق المناطق الشمالية، والتعامل، بدرجةٍ كبيرة من الحذر، مع مخيمي الركبان والحدلات،
في تلك المنطقة، خصوصاً أنّ لديه تقارير ومعلومات عن نفوذٍ يتنامي لتنظيم الدولة في أوساط المخيم.
لكنّ البعد الآخر لهذه الإجراءات العسكرية والأمنية المبرّرة يتمثل في أنّ التنظيم الذي يسعى إلى توسيع نفوذه في بادية الشام، بعدما خسر جزءاً كبيراً من أراضيه في العراق، سيستثمر جيداً في حالة البؤس واليأس والإحباط وانعدام المساعدات والشروط الأساسية للحياة في الركبان والحدلات، في أوساط اللاجئين هناك، ونسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، ليفرّخ خلايا جديدة، ويعزّز من عملية التجنيد والتعبئة، في ظل تخلّي العالم كله عن هؤلاء المهجّرين الهاربين من ديارهم.
يصعب على الأردن، وحيداً، التعامل مع هذا التحدّي الكبير، إنسانياً، وأن يزاوج بين الجوانب العسكرية والأمنية من جهة والإنسانية من جهةٍ أخرى، فالواضح أنّ انتقال التنظيم، بالتدريج وانحياز عناصره من العراق إلى بادية الشام، يعكس فشل الاستراتيجيات الدولية، وتناقض أجنداتها بين دفعه من المناطق التي تشرف عليها الولايات المتحدة إلى المناطق المعهودة لروسيا والنظام السوري، وإخراجه من العراق لتوريط سورية فيه. وهكذا، فإنّ هذا التضارب في الأجندات هو الذي أدى إلى استعادته تدمر في ريف حمص، وإلى تعزيز قدراته، لمحاولته إخراج الجيش السوري كلياً من محافظة دير الزور.
يتمثل الجانب الآخر من المعضلة الأردنية في التعاطي مع هذا التحدّي في الشكوك الجوهرية في مدى قدرته على استمرار الاعتماد على الاستراتيجية التقليدية، أي تدريب المعارضة السورية المسلّحة لتتصدّى للتنظيم، فتعمل كـ"وسادة" حامية للأردن.
ووجه الاختلال في هذه الاستراتيجية يأتي من زاويتين؛ الأولى مرتبطةٌ بما حدث مع ما يسمى جيش العشائر، أو جيش سورية الجديد، الذي قام الأردن بتدريبه مع الأميركيين وتسليحه، من أجل مواجهة تنظيم داعش في البوكمال، ثم دير الزور، لكن المعارك الأولية كانت مخيّبةً للآمال تماماً، إذ مني الجيش الجديد بهزائم كارثية، وفقد جزءاً كبيراً من أسلحته، وهو ما أكّد وجهة النظر الأردنية التي لم يتفهمها الأميركيون بأنّ الاستعجال في عملية الإعداد والتدريب، وعدم التأكد من المخرجات، سيؤدي إلى نتائج عكسية، وهو ما حدث فعلاً.
تتمثل الزاوية الثانية في أنّ الحليف الأردني الرئيس في المعارضة السورية اليوم هو فصائل الجبهة الجنوبية أصبحت في وضعٍ لا تحسد عليه، إذ ألزمها حلفاؤها بوقف القتال مع النظام السوري، وبالتزام الهدنة، ما أدى إلى أزمةٍ كبيرة داخل هذه الفصائل، ثم من المتوقع أن يتخلى عنها الحلفاء، في حال كان هنالك هجوم عسكري سوري- إيراني على درعا، وهو السيناريو الأكثر توقعاً قريباً، بعد الانتهاء من ريف دمشق. ومن المتوقع أن يتجه الموقف الأردني إلى الحياد العسكري، مع التحولات في المواقف الأميركية والغربية، خصوصاً مع مجيء الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، ما يعني أنّ الجبهة الجنوبية لن يبقى أمامها إلا خياران، الأول هو الاستسلام والذوبان، والثاني انتقال وتحرّك نسبة معتبرة من عناصرها باتجاه تنظيم داعش، أو جبهة فتح الشام على أقل تقدير، ما يعني أنّ الجبهة التي كانت تمثل سنداً للأردن، حتى الآن، قد يخسرها، بل تنقلب عناصرها إلى النقيض، في حال سيناريو الهجوم العسكري على درعا.
لا يبدو المشهد الإقليمي العام الحالي مع عراق "ما بعد تفكيك دولة داعش" أفضل حالاً للأردن، بل أصبح، على النقيض من ذلك، خطر التنظيم أكثر وضوحاً واقتراباً على الحدود الأردنية.
على الأغلب، يقف تنظيم داعش وراء العملية، وأنّها فاشلة، لم تكتمل. لكن ما يصعب التنبؤ به ما إذا كان الهدف الرئيس لها الجنود الأردنيين في النقطة الحدودية هناك، على غرار الهجوم الذي نفّذه التنظيم في العام الماضي، وأدى إلى قتل جنودٍ ورجال أمن أردنيين وإصابة آخرين، أم أنّ المستهدف بعض فصائل الجيش السوري الحرّ التي تتعاون مع الأردن، وتحاول المساعدة في إقرار الاستقرار والأمن في المخيم الذي يؤوي نحو 100 ألف لاجئ سوري، نسبة كبيرة منهم أطفال ونساء.
تعزّز المفخخة (هنالك تسريبات أنّ عمليات سابقة استهدفت جيش سورية الجديد في منطقة الركبان) القراءة الرسمية الأردنية، غير المعلنة، والتي أصبحت تنظر إلى المنطقة الشمالية الشرقية للمملكة، وتلاصق دير الزور وبادية الشام وريف حمص، بوصفها التهديد الخارجي رقم 1، والمتوقع أن تصبح معقلاً رئيساً للتنظيم في صيف العام الحالي، بعدما يخسر سيطرته على مدينة الموصل، وتزداد الضغوط الأميركية عليه في مدينة الرقة شمال سورية.
إذاً، أضحى الخطر أكثر اقتراباً ووضوحاً بالنسبة للأردن، وتعزّز معادلة "داعش ما بعد الموصل" المخاطر ولا تلغيها، وتجعل من الحدود الشمالية بمثابة مصدر أكبر في التهديد الأمني، خصوصاً إذا أضفنا إلى بادية الشام تعزيز التنظيم وجوده في درعا في الريف الغربي، عبر ما يسمى "جيش خالد بن الوليد" الموالي له.
معضلة المنطقة الشمالية- الشرقية، وبصورة خاصة التعامل مع مخيم الركبان، تكمن في تداخل الاعتبارات العسكرية والأمنية والإنسانية، وتعدد أبعاد التعامل مع هذا الملف الشائك، فالأردن عمل بعد تفجير الركبان الأسبق، في النقطة الحدودية، على تعزيز الاحتياطات العسكرية وإغلاق المناطق الشمالية، والتعامل، بدرجةٍ كبيرة من الحذر، مع مخيمي الركبان والحدلات،
لكنّ البعد الآخر لهذه الإجراءات العسكرية والأمنية المبرّرة يتمثل في أنّ التنظيم الذي يسعى إلى توسيع نفوذه في بادية الشام، بعدما خسر جزءاً كبيراً من أراضيه في العراق، سيستثمر جيداً في حالة البؤس واليأس والإحباط وانعدام المساعدات والشروط الأساسية للحياة في الركبان والحدلات، في أوساط اللاجئين هناك، ونسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، ليفرّخ خلايا جديدة، ويعزّز من عملية التجنيد والتعبئة، في ظل تخلّي العالم كله عن هؤلاء المهجّرين الهاربين من ديارهم.
يصعب على الأردن، وحيداً، التعامل مع هذا التحدّي الكبير، إنسانياً، وأن يزاوج بين الجوانب العسكرية والأمنية من جهة والإنسانية من جهةٍ أخرى، فالواضح أنّ انتقال التنظيم، بالتدريج وانحياز عناصره من العراق إلى بادية الشام، يعكس فشل الاستراتيجيات الدولية، وتناقض أجنداتها بين دفعه من المناطق التي تشرف عليها الولايات المتحدة إلى المناطق المعهودة لروسيا والنظام السوري، وإخراجه من العراق لتوريط سورية فيه. وهكذا، فإنّ هذا التضارب في الأجندات هو الذي أدى إلى استعادته تدمر في ريف حمص، وإلى تعزيز قدراته، لمحاولته إخراج الجيش السوري كلياً من محافظة دير الزور.
يتمثل الجانب الآخر من المعضلة الأردنية في التعاطي مع هذا التحدّي في الشكوك الجوهرية في مدى قدرته على استمرار الاعتماد على الاستراتيجية التقليدية، أي تدريب المعارضة السورية المسلّحة لتتصدّى للتنظيم، فتعمل كـ"وسادة" حامية للأردن.
ووجه الاختلال في هذه الاستراتيجية يأتي من زاويتين؛ الأولى مرتبطةٌ بما حدث مع ما يسمى جيش العشائر، أو جيش سورية الجديد، الذي قام الأردن بتدريبه مع الأميركيين وتسليحه، من أجل مواجهة تنظيم داعش في البوكمال، ثم دير الزور، لكن المعارك الأولية كانت مخيّبةً للآمال تماماً، إذ مني الجيش الجديد بهزائم كارثية، وفقد جزءاً كبيراً من أسلحته، وهو ما أكّد وجهة النظر الأردنية التي لم يتفهمها الأميركيون بأنّ الاستعجال في عملية الإعداد والتدريب، وعدم التأكد من المخرجات، سيؤدي إلى نتائج عكسية، وهو ما حدث فعلاً.
تتمثل الزاوية الثانية في أنّ الحليف الأردني الرئيس في المعارضة السورية اليوم هو فصائل الجبهة الجنوبية أصبحت في وضعٍ لا تحسد عليه، إذ ألزمها حلفاؤها بوقف القتال مع النظام السوري، وبالتزام الهدنة، ما أدى إلى أزمةٍ كبيرة داخل هذه الفصائل، ثم من المتوقع أن يتخلى عنها الحلفاء، في حال كان هنالك هجوم عسكري سوري- إيراني على درعا، وهو السيناريو الأكثر توقعاً قريباً، بعد الانتهاء من ريف دمشق. ومن المتوقع أن يتجه الموقف الأردني إلى الحياد العسكري، مع التحولات في المواقف الأميركية والغربية، خصوصاً مع مجيء الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، ما يعني أنّ الجبهة الجنوبية لن يبقى أمامها إلا خياران، الأول هو الاستسلام والذوبان، والثاني انتقال وتحرّك نسبة معتبرة من عناصرها باتجاه تنظيم داعش، أو جبهة فتح الشام على أقل تقدير، ما يعني أنّ الجبهة التي كانت تمثل سنداً للأردن، حتى الآن، قد يخسرها، بل تنقلب عناصرها إلى النقيض، في حال سيناريو الهجوم العسكري على درعا.
لا يبدو المشهد الإقليمي العام الحالي مع عراق "ما بعد تفكيك دولة داعش" أفضل حالاً للأردن، بل أصبح، على النقيض من ذلك، خطر التنظيم أكثر وضوحاً واقتراباً على الحدود الأردنية.