داعش أفغانستان... التنظيم يتوسع في تجنيد الفتيات والعائلات

12 اغسطس 2018
عقوبة الخروج دون إذن من مناطق داعش تصل للقتل(الأناضول)
+ الخط -
تركت العشرينية الأفغانية عظمى فريد أسرتها المقيمة في شمال أفغانستان، متوجهة إلى إقليم ننجرهار الواقع شرق البلاد، حيث المركز الرئيسي لتنظيم ولاية خراسان الفرع المحلي لتنظيم داعش الإرهابي والذي يشمل (أفغانستان وباكستان وطاجكستان، أوزبكستان، وتركمانستان)، مخلفة وراءها دراستها الجامعية، وأسرة قلقة لا تعرف ما سيحدث لها جراء هروبها إلى "أرض دولة الخلافة"، كما أبلغت أسرتها التي حمّلت الخطب والفيديوهات التي كانت تُسمعها المدارس الدينية مسؤولية هروبها هي وأخريات انضممن إلى مقاتلي التنظيم الذين يقدر الرئيس الأفغاني أشرف غني عددهم بما يقارب الألفي شخص في أفغانستان، بحسب ما أعلنه في كلمة له في المؤتمر الدولي حول أفغانستان الذي عقد في العاصمة الأوزبكية طشقند في مارس/آذار الماضي، بينما يقدر التقرير السادس للأمين العام للأمم المتحدة الخاص بتهديد تنظيم الدولة للسلام والصادر في يناير/كانون الثاني الماضي، عددهم بما بين 1000 و4000 مقاتل وينتشرون في مناطق سيطرة التنظيم والتي من أبرزها إقليم ننجرهار الذي تتوجه إليه الفتيات والملتحقون الجدد بصفوف التنظيم.

عائلات أفغانية تهاجر إلى مناطق داعش

يصف الناشط الاجتماعي عبدالباسط مبارز تجنيد الفتيات والنساء من قبل تنظيم داعش بـ"السابقة" في المجتمع الأفغاني، مؤكدا أن الجماعات المسلحة كانت تحترم أعراف المجتمع، على خلاف تنظيم داعش الذي لا يبالي بذلك، وهو ما يؤيده فيه الطبيب النفسي محمد مصطفى الذي يربط ما بين اللعب على العواطف الدينية وصغر السن والاستهداف الممنهج من قبل تنظيم الدولة لتجنيد الفتيات، ولكن الخبير في الجماعات الإسلامية خان محمد تناي يقول إن "الدين ليس الذريعة الوحيدة لتجنيد الفتيات والعائلات الأفغانية، بل إن هناك أمورا أخرى مثل الوضع المعيشي المتدهور للعائلات في ظل أن 55% من الأفغان يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم بحسب الإحصاء الصادر عن المكتب الأفغاني للإحصاء في نهاية العام الماضي"، ومن بين هؤلاء عائلة الخمسيني الأفغاني شير ولي خان الذي يعول أربعة أبناء واثنتين من البنات، إذ فر اثنان من أبنائه للانضمام إلى التنظيم في شرق أفغانستان، قبل أن تلتحق بقيتهم بصفوف التنظيم في مديرية أتشين مركز "داعش" في ولاية ننجرهار، رغم معارضة والدهم ذلك، لكنهم تجاوزوا رفضه وذهبوا ذات صباح إلى هدفهم قبل أن يستيقظ ولي خان من نومه، ويفاجأ بعدم وجود أبنائه الستة، وزوجة أحد أبنائه وحفيده الصغير، وفي مساء اليوم ذاته تلقى خان اتصالا هاتفا من أحد أبنائه، يخبره أنهم ذهبوا إلى أرض "الخلافة"، قبل أن يدعوه للانضمام إليهم، وتابع قائلا لـ"العربي الجديد" :"لحقت بهم إلى مديرية أتشين والتقيت بأحد أبنائي وحثثته على العودة، لكنه رفض ذلك، ودعاني للبقاء في أرض الخلافة"، مضيفا :"أعضاء التنظيم المتطرف يروون أن كل من يعيش خارج أرض الخلافة عليه أن يتوب وينضم إليهم".


انتشار داعش

يتوزع المنضمون إلى النسخة الأفغانية من تنظيم "داعش" في 25 ولاية من أصل 34 ولاية أفغانية وفقا لتقرير صادر عن لجنة "القاعدة وطالبان" التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2015، وهو العام الذي شهد إعلان وزارة الدفاع الأفغانية عن وجود داعش في أفغانستان بشكل رسمي للمرة الأولى، غير أن مناطق انتشار وقوة التنظيم تقع في ولايتي ننجرهار وكنر بالقرب من حدود باكستان والحدود الطاجكية وحدود الصين، وتولى قيادة التنظيم في بادئ الأمر مقاتلون من جنسيات باكستانية وأوزبكية وعرب، مع اتخاذهم إجراءات صارمة تجاه من يقيم تحت قيادتهم، خاصة عند الدخول، أو الخروج من مناطق سيطرة التنظيم، وهو ما كان يتطلب توقيع القيادي في تنظيم داعش العراقي أبو عمر على التصريح، الأمر الذي أثار فوضى حتى في صفوف مقاتلي التنظيم، لكن، بعد مقتل معظم قيادات داعش من الأجانب، انتقلت القيادة إلى الأفغان وفقا لأحد مقاتلي الحركة السابقين غول محمد خان والذي قال إن انتقال القيادة للأفغان أدى إلى تزايد عمليات التجنيد، كونهم يعرفون أعراف الأفغان وطريقة حياتهم ويستطيعون التأثير فيهم بسهولة، ويرى الخبير الأمني محمد خان أن بقاء داعش إلى اليوم في أفغانستان يرجع إلى ذلك التغيير في القيادات وعمليات التجنيد العائلية، وإلا كان من الممكن أن تقضي القبائل على التنظيم كما يقول.

ويمتلك التنظيم موارد مالية كثيرة، إذ سبق وأن تلقى دعما من التنظيم الأم كما حصل على المال عبر عمليات الابتزاز وعائدات الإنتاج الزراعي في ننجرهار وإنتاج الأخشاب والاختطاف وطلب الفدية، وفق ما جاء في التقرير السادس للأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما يتفق معه الخبير العسكري زبير أحمد عصمت، والذي لفت إلى أن التنظيم لا يحتاج إلى المال، ولعل هذا هو السبب في هروب عائلات إلى مناطقه ووقوف بعض القاطنين فيها معه على حساب طالبان، التي تجمع الزكوات والصدقات باستمرار من الناس في المناطق التي تسيطر عليها، غير أن التنظيم يتشدد في التدخلات الاجتماعية والدينية، إذ يعاقب الأهالي في مناطقه على تقصير اللحى وترك الصلاة، وإسبال الإزار وغيرها بحسب ما أوضحه شريف الله محمود نجل أحد الزعماء القبليين في منطقة جبرهار شرق أفغانستان.


تدريب على القتل

قتل وجرح على يد تنظيم داعش 899 أفغانيا وأفغانية بحسب تقرير مكتب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان "يوناما" السنوي المنشور في فبراير/شباط 2017، في حين أن عدد الذين قتلوا وجرحوا على يد التنظيم في العام 2015 لم يتعد الاثنين وثمانين شخصا وفق إحصائيات مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية الأفغاني، بما يوضح كيف تزايدت مخاطر التنظيم المتطرف وفق ما أكده الخبير العسكري عصمت.

وخصص تنظيم داعش المساجد الواقعة في مناطق سيطرته بعد تفجير المدارس وإغلاق البعض الآخر منها، لعمليات تدريب الأطفال على استخدام أنواع الأسلحة المتنوعة مثل المسدسات والقنابل اليدوية، وتعليمهم كيفية التعامل مع من يسمونهم بالمرتدين واستخدامهم في تنفيذ الإعدامات لتصفية الناس بحسب مولى جان، أحد سكان مديرية اتشين في ولاية ننجرهار، والذي قال لـ"العربي الجديد" إنه تحدث مع أحد معلمي التنظيم الذي كان يريد منه إلحاق أبنائه بمساجد التنظيم ليعرف وجهة نظره حيال التعليم، فقال له: "الأمر الأساسي في الدين هو الجهاد وكيفية استخدام المسلحين في تصفية من وصفهم بالمرتدين، وهما ضروريان لإقامة الخلافة". ويستدرك جان:"لدى التنظيم مدارس خاصة بأبناء المقاتلين، ولا يسمح عادة لغيرهم بالدخول فيها".

وخصص تنظيم "داعش" سجونا عديدة في مناطق سيطرته لكل من يعارض أفكاره بحسب المعلم في إحدى المدارس الدينية في جلال أباد الواقعة شرق أفغانستان، مسيح الله، والذي سجن لأسبوعين في أحد سجون التنظيم، كما قال لـ"العربي الجديد" مضيفا: "وضعنا في السجن، بسبب تهم لا أساس لها، ومضى حوالي أسبوعين، دون أن نخرج من الغرفة في حمام ليس فيه ماء إلا القليل، ومن شباك الغرفة الحديدي كنا نرى مجرى المياه الصافي"، تابع: "في أحد الأيام قلنا للحارس إننا نرى الماء ونسمع صوته، فهل لكم أن تسمحوا لنا بالوضوء"، فرد عليه الحارس: "يحل لكم التيمم للصلاة، ولا يسمح لكم بالخروج إلا بعد حكم القاضي في حقكم"، وبعد أيام جاء رئيس قضاة تنظيم داعش، وبدأ التحقيق مع مسيح الله ورفاقه، وأثناء التحقيق طلب مسيح الله من القاضي أن يسمح له بالضوء في الماء فرد عليه قائلا: "ماذا تفعل بالوضوء وأنتم لا صلاة لكم، لأنكم غير مسلمين، ما دمتم لا تبايعون التنظيم".


إجراءات صارمة لمنع الانشقاقات

تعتمد سياسات التنظيم على تصفية من يفصله من عناصره بحسب ما أوضحه لـ"العربي الجديد" المحلل الأمني محمد إسماعيل وزير، مشيرا إلى أن التنظيم يبقى على نفوذه عن طريق البطش والقوة واستخدام أقصى أنواع العنف والقهر، كي لا يجرؤ أحد على ذلك"، وهو ما يخشاه أحد المقاتلين السابقين في التنظيم الباكستاني سيد ولي، والذي قال: "كنت أسعى إلى الهرب من مناطق التنظيم، لكن خشيت عقوبة الخروج دون إذن من مناطق التنظيم والهروب من الجهاد والتي تصل إلى القتل تعزيرا، ما جعلني أتزوج في مديرية اتشين بفتاة أفغانية في الـ 16 من العمر، وهي بنت قائد ميداني في التنظيم، هاجر إلى أفغانستان من منطقة دير في شمال غربي باكستان، تاركا وراءه زوجة وأربعة أولاد وبحجة إحضار عدد من اللوازم استطعت الهروب من التنظيم"، مضيفا أن الزواج الثاني والثالث والرابع أسهل ما يكون في أرض داعش، ودون أن يكلف الكثير، ويشترط فقط أن تكون من مسلحي التنظيم الذي يتكفل بكل شيء، وتابع ولي: "إذا ما قتل أحد من مقاتلي التنظيم، يتم تزويج أرملته من أحد المقاتلين، ولدى التنظيم منازل، مكونة من غرفة ومطبخ وحمام قريبة من بعضها تخضع لحراسة خاصة مخصصة للمقاتلين، إذ تمت عمليات تهجير منظم لسكان القرى النائية في ننجرهار وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم كما توجد هيئة دينية خاصة تتولى مهام عديدة منها تزويج الفتيات والنساء القادمات إلى مناطق التنظيم من المقاتلين".