خيارات مصر المُرّة في التعامل مع تعويضات إسرائيل

05 مايو 2017
تواصل خطط استيراد الغاز من الاحتلال (فرانس برس)
+ الخط -
في 30 يونيو 2005 وقف أحمد نظيف، رئيس الوزراء المصري، في ذلك الوقت، يصفق بحرارة والبسمة تكسو وجهه، وكانت المناسبة توقيع كل من وزير البترول بحكومته، سامح فهمي، ووزير البنية التحتية الإسرائيلي، بنيامين بن إليعازر، على اتفاق يقضي بتصدير الغاز المصري لإسرائيل. كانت البسمة مرسومة على شفاه جميع المسؤولين المصريين والإسرائيليين الموجودين في كادر الصور المحدودة التي تم التقاطها خلال حفل التوقيع.

أما في الخلفية فكانت هناك شخصيات بارزة من الطرفين لم تظهر في الكادر، رغم دورها الرئيسي في إنجاز الاتفاق، وكان في مقدمة هؤلاء الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وصديقه رجل الأعمال، حسين سالم، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ورؤساء ومديرو الأطراف المشاركة في صفقة القرن، كما أطلق عليها في وقت لاحق، وأبرزهم قيادات الهيئة المصرية العامة للبترول المملوكة بالكامل لوزارة البترول، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيغاس) التابعة للحكومة المصرية، وشركتا كهرباء إسرائيل، وغاز شرق المتوسط East Mediterranean Gas – EMG، المملوكة لرجال أعمال ومؤسسات مصرية وإسرائيلية.

وكانت شركة EMG تحديداً محاطة بعلامات استفهام كثيرة، إذ كان يملك أغلب أسهمها حسين سالم ومجموعة ميرهاف الإسرائيلية، وشركة أمبال الأميركية الإسرائيلية، وشركة بي تي تي التايلندية، ورجل أعمال أميركي يدعى سام زيل، إضافة لشخصيات محسوبة على أجهزة سيادية.

في ذلك الوقت لم يتم الكشف عن تفاصيل الصفقة المريبة، لكن بعد 3 سنوات من التوقيع وتحديداً في عام 2008، بدأ تدفق الغاز المصري من مدينة العريش بسيناء المصرية إلى مدينة عسقلان الإسرائيلية عبر خط أنابيب تابع لشركة غاز شرق المتوسط EMG، التي كان يساهم فيها أيضاً رجل الأعمال الإسرائيلي، يوسي ميمان، صديق حسين سالم، بنسبة 21%.

ومع بدء تدفق الغاز المصري لإسرائيل عرف المصريون أن الاتفاقية التي وقعتها حكومتهم مع إسرائيل في عام 2005 تقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز لدولة الاحتلال لمدة 20 عاماً، وبثمن يتراوح بين 70 سنتاً و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، وهو ما يقل عن سعر التكلفة آنذاك البالغ 2.65 دولار، كما حصلت شركة الغاز الإسرائيلية المستفيدة من الغاز المصري على إعفاء ضريبي من حكومة مبارك لمدة 3 سنوات (من 2005 إلى 2008).


بدون علم البرلمان

ورغم المعارضة المصرية القوية للاتفاقية من قبل شخصيات سياسية ونيابية بعضها قدم طلبات إحاطة للبرلمان، ورغم تصاعد حملة الاحتجاجات الكبيرة ضد الاتفاقية من قبل نقابات مهنية، إلا أن حكومة مبارك ضربت بكل ذلك عرض الحائط، وأصرت على تصدير الغاز لإسرائيل رغم الخسائر الفادحة التي تعرض لها الاقتصاد المصري في ذلك الوقت، خاصة مع حاجة السوق المحلية للغاز المصدر ووجود نقص به، وتدني ثمن الصفقة، حيث كان سعرها لا يغطي تكلفة استخراج الغاز من باطن الأرض.

بل إن الحكومة التفّت على حكم محكمة القضاء الإداري المصرية القاضي بوقف قرارها بتصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، وقدمت طعنًا لإلغاء الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا التي قضت بالفعل بإلغاء حكم المحكمة وتأييد القرار الحكومي.

وعقب قيام ثورة 25 يناير 2011 كان من أبرز مطالب الثوار وقف إهدار ثروات مصر النفطية، وتجميد اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل، ومع سقوط نظام مبارك وتزايد الضغط الشعبي خرج عبد الله غراب، وزير البترول، في ذلك الوقت، ليؤكد أن مفاوضات تجرى لتعديل اتفاقيات الغاز مع إسرائيل لرفع السعر، وهو ما تم بالفعل، لكن الزيادة الطفيفة لم تطفئ غضب ثوار التحرير الذين طالبوا بإلغاء الاتفاقية وليس فقط تحسين سعر الصفقة، وعندما لم تستجب الحكومة لطلب الثوار بوقف تصير الغاز قام عدد من أهالي سيناء بتفجير الأنبوب، الذي كان ينقل الغاز من مصر إلى تل أبيب، وتكرر ذلك مرات عديدة.

وتحت استمرار الضغوط الشعبية، وفي العام 2012، أوقف المجلس العسكري، الذي كان يحكم البلاد في ذلك الوقت، تصدير الغاز لإسرائيل، وكانت حجته في ذلك حدوث "قوة قاهرة" وهو مصطلح متعارف عليه في الاتفاقيات الدولية، إضافة لاستناده إلى رفض الرأي العام تصدير الغاز المصري لدولة الاحتلال خاصة مع تكرار العدوان على الفلسطينيين.


تحرك إسرائيلي

هنا جن جنون الكيان الصهيوني وراحت الحكومة الإسرائيلية وشركة الكهرباء التابعة لها تقيم دعاوى قضائية ضد الحكومة المصرية أمام المحاكم الدولية، بزعم مخالفة مصر للاتفاقيات المبرمة معها في العام 2005، وإلغاء الاتفاقية من طرف واحد.

وبالفعل انتزعت الحكومة الإسرائيلية 3 أحكام لصالحها في قضية نزاع الغاز، الأول صدر في ديسمبر/كانون الأول 2015 حيث قضت محكمة غرفة التجارة الدولية في جنيف، وهي هيئة تحكيم دولية، بتغريم الحكومة المصرية مبلغ 1.7 مليار دولار من بين 3.8 مليارات دولار طالب بها الجانب الإسرائيلي، لصالح شركة الكهرباء التابعة له، بعد توقف إمدادات الغاز في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، التي أطاحت بنظام مبارك.

وتضمن حكم غرفة التجارة الدولية فرض تعويضات على هيئة البترول المصرية وشركة "إيغاس" الحكومية بقيمة 288 مليون دولار، من أصل 1.5 مليار دولار كانت تطالب بها شركة EMG، وهو ما يوازي 19.2% من إجمالي التعويض المطلوب.

أما الحكم الثاني فصدر يوم 28 أبريل/نيسان 2017، حيث قضت محكمة سويسرية بإلزام مصر بدفع ملياري دولار تعويضاً لشركة كهرباء إسرائيل، ورفضت المحكمة الطعن الذي تقدمت به الشركة المصرية القابضة للغازات (إيغاس) والهيئة المصرية العامة للبترول، علما بأن هذا الحكم جاء ليؤكد حكم التحكيم الدولي الصادر في عام 2015، وقضى بدفع مصر نحو ملياري دولار على سبيل التعويض بسبب توقف إمدادات الغاز.

أما الحكم الثالث فقد حصلت بموجبه شركة "أمبال" الإسرائيلية للغاز على حكم قضائي يقضي بتعويضها بمبلغ 174 مليون دولار تدفعها الحكومة المصرية نتيجة الأضرار، التي لحقت بالشركة بعد وقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل منذ عام 2012.

واللافت أن الحكم الأخير صدر عن المركز الدولي لتسوية المنازعات الاستشارية ICSID، وهو مؤسسة تابعة للبنك الدولي، تأسس عام 1966 ويسعى إلى تسوية الخلافات المتعلقة بالاستثمار بين المستثمرين الأجانب والبلدان المستضيفة، والذي أكد أن عملية التحكيم تمت بموجب معاهدة مصرية أميركية لحماية الاستثمار.

واللافت أيضاً أن الأحكام الدولية الثلاثة صدرت رغم حديث وسائل الإعلام الإسرائيلية، المتكرر عن التوصل لتسوية نهائية بين إسرائيل ومصر، في ما يتعلق بقضية الغاز التي رفعتها شركة الكهرباء الإسرائيلية على القاهرة أمام المحاكم الدولية للمطالبة بتعويضات ضخمة.

وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فإن إسرائيل وافقت على تخفيض قيمة التعويضات التي حكمت بها محكمة سويسرية نهاية العام الماضي بعد حوالى 3 سنوات من التحكيم الدولي بنسبة 50% لتصل إلى 865 مليون دولار، بعد أن كانت 1.73 مليار دولار، وأنه تم الاتفاق أيضًا على تقسيط قيمة التعويضات على 14 عامًا تقوم مصر بدفعها على دفعات لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية.


السيناريوهات المتوقعة

الآن وبعد صدور 3 أحكام، ماذا لدى القاهرة من أوراق ضغط وخيارات، خاصة أن الأحكام الدولية الصادرة لصالح إسرائيل واجبة النفاذ ولا يجوز الطعن عليها؟ وهل يمكن أن يفتح الحكم الأخير الباب على مصراعيه لإتمام صفقة استيراد مصر الغاز الإسرائيلي مقابل غلق ملف النزاع الدولي رغم إعلان الحكومة المصرية عن اكتشافها حقل ظهر الواقع قبالة سواحل مدينة بورسعيد الواقعة على البحر المتوسط، والذي تقول إنه واحد من أكبر حقول إنتاج الغاز في العالم.

حسب مراقبين فإن أوراق الضغط المتاحة لدى الحكومة المصرية تظل ضعيفة، خاصة وأنها فقدت معظم الأوراق السياسية، التي يمكن من خلالها الضغط على إسرائيل، مثل ورقة حماس والمقاومة الفلسطينية، وهنا يتم طرح عدة سيناريوهات محتملة يمكن أن تقدم عليها القاهرة لإنهاء ملف نزاع الغاز.

- الأول: هو التزام الحكومة المصرية بسداد هذه التعويضات الدولية رغم ضخامتها، وهذا أمر من الصعب أن تتحمله الموازنة المصرية حالياً، خاصة وأن هذه التعويضات التي تبلغ قيمتها ملياري دولار تأتي في وقت تتراجع فيه موارد البلاد من النقد الأجنبي من قطاعي السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما تأتي في وقت تلجأ فيه الحكومة إلى التوسع في الاقتراض الخارجي لسد فجوة تمويلية تقدر قيمتها بأكثر من 20 مليار دولار في العام المالي المقبل 2017 -2018.

- الثاني: هو رفض الحكومة المصرية سداد هذه التعويضات، خاصة وأن الاتفاقية التي أبرمتها في العام 2005 لم تتم بعلم البرلمان، كما أن قرارها بوقف تصدير الغاز يأتي في إطار "قوة قاهرة" فرضت على الحكومة اختيار أسلوب القطع وتجميد الاتفاقية وإلا الاصطدام الشديد وقتها برأي عام ثائر، وهنا يمكن أن تدخل الحكومة المصرية في أزمة خاصة وأن إسرائيل قد تطالب المؤسسات المالية الدولية التي لديها علاقة مباشرة مع مصر بتطبيق أحكام التعويض.

مثلاً يمكن أن تطالب إسرائيل بالحجز على بنوك مصرية عاملة في أوروبا أو الحجز على جزء من احتياطي النقد الأجنبي المصري المودع لدى المصارف الأميركية والأوروبية، علماً بأن هذا السيناريو تكرر قبل سنوات مع رجل الأعمال المصري الفرنسي، وجيه سياج، الذي حصل على حكم تعويض من غرفة التجارة الدولية ضد حكومة أحمد نظيف، ساعتها تم الحجز على أموال أحد البنوك المصرية الموجودة في أوروبا.

- الثالث: دخول الحكومة المصرية في مفاوضات مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية لخفض قيمة هذه التعويضات وسدادها على سنوات طويلة، وهو ما ألمحت إليه مصادر إعلام في البلدين.
- الرابع: هو أن تواصل الحكومة المصرية الاستمرار في صفقة استيراد الغاز من إسرائيل، وهي الصفقات التي تم الكشف عنها، خلال الشهور الأخيرة، مقابل تنازل إسرائيل عن التعويضات الدولية الصادرة لصالحها.

والملاحظ أن كل السيناريوهات المطروحة أمام صانع القرار المصري مُرّة ومكلفة مادياً، وتكشف عن أن نظام مبارك رهن البلاد واقتصادها لسنوات طويلة مقبلة.

المساهمون