بمناسبة مرور ثلاثة عقود على وفاة الفنان الكاتالاني خوان ميرو (1893 ـ 1983)، ينظّم "متحف بول فاليري" في مدينة سيت الفرنسية معرضاً استعادياً له يحمل عنوان "ميرو ـ نحو اللامتناهي في الحرية، نحو اللامتناهي في الكبر".
وتوقّفنا عند هذا المعرض اليوم لا تبرره هذه المناسبة فحسب، بل أيضاً مضمونه الذي يتألف من نحو 70 عملاً فنياً تتراوح بين لوحات ومنحوتات ورسوم، معظمها يأتي من مجموعة سويسرية خاصة، وبالتالي يُعرض للمرة الأولى.
أما الهدف الذي يسعى منظّمو المعرض خلفه فهو تسليط الضوء على حرية الفنان القصوى على المستوى الجمالي، وتمثيل المرأة، والنظرة السياسية؛ وتوقه إلى إسقاط داخل أعماله رؤيته الشخصية للكون التي ترتبط عفوياً بالفضاءات السماوية الشاسعة.
لماذا "اللامتناهي في الحرية" داخل عنوان المعرض؟ لأن ميرو أثبت وعبّر، في جميع مراحل مساره الفني، عن استقلالية فكرية نأت به عن جميع العقائد والتيارات الفنية، مهما بدا قريباً أحياناً من بعضها. فرغم روابطه الوثيقة بالسورّيالية وأربابها، على سبيل المثال، لم يتبع الفنان جميع أفكار هذه الحركة وطروحاتها؛ وهو ما عرّضه مراراً للّوم من قبل أندريه بروتون الذي أقرّ، مع ذلك، بأن عمل صديقه "يشهد على حرّية لم يتجاوزها أحد".
وفي الواقع، لم يكن ميرو يوماً ممثلاً رسمياً للسورّيالية، رغم مشاركته في العديد من معارضها الجماعية وحضوره في جميع الكتب والأبحاث المرصودة للفن السورّيالي. وما يفسّر هذه القرابة هو استسلام ميرو كلّياً في عمله لتلك العفوية الغالية على قلوب السورّياليين، عفوية أنجبت داخل أعماله أشكالاً بسيطة، عضوية أو هندسية، ورؤيةً غنائية بقدر ما هي حُلُمية، وتمثيلاً خاصاً لعلاقة الرجل والمرأة استبدل الفنان فيها الرجل بالعصفور ضمن رمزية إيروسية وشعرية (كلمة عصفور باللغة الكاتالانية تعني أيضاً العضو الذكوري).
وفي سياق الحرية المطلقة التي تمتّع بها، نفهم أيضاً مواقفه السياسية من الحرب الأهلية الإسبانية ومن الحربين العالميتين الأولى والثانية، التي تحضر مراجعها بقوة في بعض أعماله.
"صمت" (1968) |
أما لماذا "اللامنتاهي في الكبر"، فلأن جمالية ميرو تدعونا إليه بلا انقطاع؛ جمالية نابعة من تخطيط مبتكَر يأتي بما لا يقل عن الكون لاجتياح لوحاته، كما يتجلى ذلك في "الكوكبات" التي أنجزها بين عامَي 1939 و1941، وفي تشكيلات فترة السبعينات التي تستحضر خوارط فلكية، بدون أن ننسى التجربة شديدة التجريد للوحات الأحادية اللون التي تتوارى فيها أي علامة.
وحول هذه المسألة، قال ميرو: "نجد غالباً نجوماً في أعمالي لأني أتنزّه غالباً خلال الليل وأحلم بسماواتٍ منجَّمة وكوكبات. سلّم الهروب هذا الذي يشكّل مصدر دهشة دائمة لي، وأُبرزه بلا انقطاع في عملي، يمثّل رغبتي الشديدة في مغادرة الأرض والتحليق نحو السماء، نحو اللامنتاهي".
لامتناهٍ قاد ميرو إلى إسقاط "أشكالٍ صغيرة جداً داخل فضاءاتٍ شاسعة وفارغة"، وإلى تلخيص مسعاه على النحو الآتي: "ما أبحث عنه هو الحركة الثابتة، شيءٌ معادلٌ لبلاغة الصمت".
* يستمر المعرض حتى 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014