تصرف آلاف الدولارات سنوياً لتصوير الإعلانات الخاصّة بالترويج للسياحة الشتويّة في الجنوب التونسيّ. هناك في الصحراء الممتدّة على أكثر من 40% من مساحة البلاد، يمثّل الشتاء فرصة لاستثمار الحرارة المرتفعة نسبياً عن محافظات الشمال لإغراء السائح الأجنبيّ والمحليّ الباحث عن الدفء.
بين تلك الكثبان، تجتهد قريحة مخرجي الإعلانات لاختيار الزوايا الأكثر قدرة على إبراز جماليّة الصحراء ورونق الواحات وللتذكير أحياناً بأنّ الصحراء التونسيّة استضافت يوماً تصوير جزء من فيلم حرب النجوم والذهب الأسود. ولكن تلك الكثبان المرتفعة تحجب عن الزائرين وجهاً آخر للجنوب التونسيّ الذي يسجّل أدنى مستويات التنمية على الصعيد الوطني، حيث ينتشر الفقر والعطش والغضب من حكومة لم تحاول يوماً إجلاء الحقيقة التي تحجبها الكثبان الرمليّة.
يعلّق صاحب استراحة في الطريق الصحراويّة بين توزر وقبلي السيّد محمد، علي الحاج عليّ، بأنّ السياحة الشتويّة لا تمثّل إلّا مسكّناً للمعاناة الاقتصاديّة لأهالي الجنوب في ظلّ غياب برامج حقيقية للتنمية المستدامة. فالمهرجانات الصحراويّة لا تدوم إلا لأسبوع أو أسبوعين كحدّ أقصى، أما باقي السنة فتعود مدن الجنوب إلى حالة الركود الاقتصادي. حتّى على الصعيد الإعلامي والسياسيّ، لا يقع التطرّق إلى الجنوب إلّا خلال هذا الموسم، أمّا باقي السنة فتسقط من حسابات المسؤولين ومن اعتبارات الإعلاميين. يضيف الأخير أنهم سئموا التظاهرات الرنانة والإعلانات المنمّقة التي تحجب الواقع الصعب للأهالي.
ويشير الحاج عليّ إلى أنّ مشاكل السياحة الصحراوية تفاقمت بعد الثورة بسبب الأحداث على الحدود الليبية إضافة إلى فرض المنطقة العازلة على الحدود والتهديدات الإرهابيّة، مما أدى إلى إغلاق 26 نزلاً من مجموع 31 نزلاً. كما أنّ السياحة الشتوية لا توفّر سوى 3000 موطن شغل بشكل مباشر و15 ألفاً بشكل غير مباشر وهي نسبة غير كافية نسبة لعدد سكان الجنوب والبالغ تقريباً 1.5 مليون نسمة.
ويرى أنّ الحلّ يكمن في وضع استراتيجيّة متكاملة لضمان استمراريّة السياحة في الجهة طول السنة، فالعمل الموسميّ لا يمثّل حلّا جديّا للمشاكل الاقتصاديّة المتراكمة على غرار البطالة والفقر وحالة الانكماش التي تعرفها البلاد منذ سنوات.
وتؤكّد صاحبة إحدى الوكالات السياحية في مدينة توزر جنوب البلاد، سنية العيدي، أنّ الموسم السياحي كلّ شتاء يمثّل حدثا استثنائيّاً في محافظات الجنوب التونسيّ، خصوصاً المهرجان الدولي للواحات الذي يستقطب ما يزيد عن 100 ألف سائح محليّ وأجنبيّ سنوياً. لتضيف أنّ أفواج السيّاح تضفي حركة كبيرة على مختلف الأنشطة الاقتصاديّة، كالفندقة والتجارة والنقل الخاصّ والمقاهي.
ولكنّ السيّدة سنية تشير إلى أن استثمار الصحراء التونسيّة ما يزال دون المأمول على مستوى البنية التحتيّة ومختلف الخدمات والمرافق الضروريّة لإنجاح الموسم السياحيّ الشتوي وتطوير أعداد السيّاح، "إذ إن الدولة ورغم وعيها بأهميّة إيجاد أنماط سياحيّة جديدة إلّا أنّها ما تزال مقصّرة على صعيد دعم مجهود أبناء الجهة للنهوض بالقطاع". حيث تؤكّد الأخيرة أنّ ميزانيات بعض المهرجانات المخصّصة لاستقطاب السياح لا تتجاوز بضعة آلاف من الدولارات، في حين تحظى نشاطات أخرى أقلّ تأثيراً في الاقتصاد الوطني بضعف تلك الأموال الممنوحة من وزارة السياحة. كما تشكو المنطقة من تردّي البنى التحتيّة على غرار الطرقات وقلّة الاستراحات إضافة إلى تجاهل الدولة لمشاكل أصحاب المرافق السياحيّة كالفنادق، حيث شهدت السنة الماضية إغلاق عدد كبير منها لتراكم ديون أصحابها وتأخّر وعود الدولة في إعادة جدولتها أو تمكين المستثمرين من قروض جديدة.
في نفس السياق، يقلّل الخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي من جدوى المراهنة على السياحة الموسميّة في الجنوب التونسيّ، حيث تبقى الطاقة التشغيلية لهذا القطاع محدودة ولا تتجاوز 1% من جملة الطاقات البشريّة في المحافظات الجنوبيّة. كما أنّ طابعها الموسميّ يجعل منها مواطن شغل هشّة ومنفّرة. ليضيف أنّ الدولة لم تراهن بجديّة على السياحة الصحراويّة، بل اعتمدت سياسة التعامل مع الأمر الواقع ومحاولة اللعب على الصورة دون أن تعمل على تطوير حقيقيّ للمقوّمات السياحيّة بالجهة. حيث لا يستقيم الحديث عن نجاح السياحة الشتويّة ولا فائدة من مغالطة الحرفاء عبر الومضات الإعلانية المصنوعة بعناية ليكتشف هؤلاء إثر قدومهم زيف الصور التي شاهدوها ممّا سيكون له انعكاسات سلبيّة على القطاع السياحيّ ككلّ.
ويضيف السوسي أنّ الوضع الحقيقيّ للجنوب التونسيّ والذي تسقطه الحكومات المتتالية من معلّقاتها الإعلانية كارثيّ. حيث تبلغ نسبة البطالة في محافظات الجنوب ما يفوق 30% وهي ضعف المعدّل الوطنيّ، كما أنّ نسبة الفقر بحسب إحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعيّة تصل في بعض بلدات الجنوب على غرار أم العرائس والمتلوي وسوق الأحد إلى 26%. ليس هذا فحسب، إذ يؤكّد السوسي أنّ الفوضى التي تعيشها ليبيا في السنوات الأخيرة، إضافة إلى سعي الدولة لمحاصرة التهريب، أدّى إلى تفاقم مشاكل الأهالي وارتفاع معدّلات البطالة والفقر، حيث كانت ليبيا متنفساً لهؤلاء سواء عبر السفر للعمل هناك أو عبر تهريب بعض المواد. ويضيف السوسي أنّ صور الواحات الخضراء وشلالات الصحراء تخفي مشكلة كبيرة يعاني منها أهل الجنوب، وهي العطش والنقص الحاد في مياه الريّ والشرب. فعلى الرغم من أنّ الجنوب التونسيّ يحتوي على 60% من المياه الجوفيّة في البلاد ككلّ، إلّا أنّ الاستغلال المفرط لهذه الثروة خصوصا في عمليّة استخراج الفوسفات الذّي يستهلك 18 مليون متر مكعب سنوياً يمثّل تهديدا حقيقيّاً للأهالي. هذا الوضع الكارثيّ أدّى إلى امتداد التصحر والانجراف ليشمل أكثر من 6 ولايات في الجنوب حسب الدراسة الأخيرة لوزارة البيئة والتنمية المستديمة.
هذه العوامل، إضافة إلى الإحساس بالنسيان والتهميش، جعلت من محافظات الجنوب إحدى أكثر المناطق سخونة، والتي عرفت تحركات احتجاجيّة عنيفة خلال 2015 للمطالبة بتحسين الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة للأهالي.
اقرأ أيضاً: تونس: في العام 2016 ...إصلاح اقتصادي أو خراب اجتماعي؟
بين تلك الكثبان، تجتهد قريحة مخرجي الإعلانات لاختيار الزوايا الأكثر قدرة على إبراز جماليّة الصحراء ورونق الواحات وللتذكير أحياناً بأنّ الصحراء التونسيّة استضافت يوماً تصوير جزء من فيلم حرب النجوم والذهب الأسود. ولكن تلك الكثبان المرتفعة تحجب عن الزائرين وجهاً آخر للجنوب التونسيّ الذي يسجّل أدنى مستويات التنمية على الصعيد الوطني، حيث ينتشر الفقر والعطش والغضب من حكومة لم تحاول يوماً إجلاء الحقيقة التي تحجبها الكثبان الرمليّة.
يعلّق صاحب استراحة في الطريق الصحراويّة بين توزر وقبلي السيّد محمد، علي الحاج عليّ، بأنّ السياحة الشتويّة لا تمثّل إلّا مسكّناً للمعاناة الاقتصاديّة لأهالي الجنوب في ظلّ غياب برامج حقيقية للتنمية المستدامة. فالمهرجانات الصحراويّة لا تدوم إلا لأسبوع أو أسبوعين كحدّ أقصى، أما باقي السنة فتعود مدن الجنوب إلى حالة الركود الاقتصادي. حتّى على الصعيد الإعلامي والسياسيّ، لا يقع التطرّق إلى الجنوب إلّا خلال هذا الموسم، أمّا باقي السنة فتسقط من حسابات المسؤولين ومن اعتبارات الإعلاميين. يضيف الأخير أنهم سئموا التظاهرات الرنانة والإعلانات المنمّقة التي تحجب الواقع الصعب للأهالي.
ويشير الحاج عليّ إلى أنّ مشاكل السياحة الصحراوية تفاقمت بعد الثورة بسبب الأحداث على الحدود الليبية إضافة إلى فرض المنطقة العازلة على الحدود والتهديدات الإرهابيّة، مما أدى إلى إغلاق 26 نزلاً من مجموع 31 نزلاً. كما أنّ السياحة الشتوية لا توفّر سوى 3000 موطن شغل بشكل مباشر و15 ألفاً بشكل غير مباشر وهي نسبة غير كافية نسبة لعدد سكان الجنوب والبالغ تقريباً 1.5 مليون نسمة.
ويرى أنّ الحلّ يكمن في وضع استراتيجيّة متكاملة لضمان استمراريّة السياحة في الجهة طول السنة، فالعمل الموسميّ لا يمثّل حلّا جديّا للمشاكل الاقتصاديّة المتراكمة على غرار البطالة والفقر وحالة الانكماش التي تعرفها البلاد منذ سنوات.
وتؤكّد صاحبة إحدى الوكالات السياحية في مدينة توزر جنوب البلاد، سنية العيدي، أنّ الموسم السياحي كلّ شتاء يمثّل حدثا استثنائيّاً في محافظات الجنوب التونسيّ، خصوصاً المهرجان الدولي للواحات الذي يستقطب ما يزيد عن 100 ألف سائح محليّ وأجنبيّ سنوياً. لتضيف أنّ أفواج السيّاح تضفي حركة كبيرة على مختلف الأنشطة الاقتصاديّة، كالفندقة والتجارة والنقل الخاصّ والمقاهي.
ولكنّ السيّدة سنية تشير إلى أن استثمار الصحراء التونسيّة ما يزال دون المأمول على مستوى البنية التحتيّة ومختلف الخدمات والمرافق الضروريّة لإنجاح الموسم السياحيّ الشتوي وتطوير أعداد السيّاح، "إذ إن الدولة ورغم وعيها بأهميّة إيجاد أنماط سياحيّة جديدة إلّا أنّها ما تزال مقصّرة على صعيد دعم مجهود أبناء الجهة للنهوض بالقطاع". حيث تؤكّد الأخيرة أنّ ميزانيات بعض المهرجانات المخصّصة لاستقطاب السياح لا تتجاوز بضعة آلاف من الدولارات، في حين تحظى نشاطات أخرى أقلّ تأثيراً في الاقتصاد الوطني بضعف تلك الأموال الممنوحة من وزارة السياحة. كما تشكو المنطقة من تردّي البنى التحتيّة على غرار الطرقات وقلّة الاستراحات إضافة إلى تجاهل الدولة لمشاكل أصحاب المرافق السياحيّة كالفنادق، حيث شهدت السنة الماضية إغلاق عدد كبير منها لتراكم ديون أصحابها وتأخّر وعود الدولة في إعادة جدولتها أو تمكين المستثمرين من قروض جديدة.
في نفس السياق، يقلّل الخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي من جدوى المراهنة على السياحة الموسميّة في الجنوب التونسيّ، حيث تبقى الطاقة التشغيلية لهذا القطاع محدودة ولا تتجاوز 1% من جملة الطاقات البشريّة في المحافظات الجنوبيّة. كما أنّ طابعها الموسميّ يجعل منها مواطن شغل هشّة ومنفّرة. ليضيف أنّ الدولة لم تراهن بجديّة على السياحة الصحراويّة، بل اعتمدت سياسة التعامل مع الأمر الواقع ومحاولة اللعب على الصورة دون أن تعمل على تطوير حقيقيّ للمقوّمات السياحيّة بالجهة. حيث لا يستقيم الحديث عن نجاح السياحة الشتويّة ولا فائدة من مغالطة الحرفاء عبر الومضات الإعلانية المصنوعة بعناية ليكتشف هؤلاء إثر قدومهم زيف الصور التي شاهدوها ممّا سيكون له انعكاسات سلبيّة على القطاع السياحيّ ككلّ.
ويضيف السوسي أنّ الوضع الحقيقيّ للجنوب التونسيّ والذي تسقطه الحكومات المتتالية من معلّقاتها الإعلانية كارثيّ. حيث تبلغ نسبة البطالة في محافظات الجنوب ما يفوق 30% وهي ضعف المعدّل الوطنيّ، كما أنّ نسبة الفقر بحسب إحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعيّة تصل في بعض بلدات الجنوب على غرار أم العرائس والمتلوي وسوق الأحد إلى 26%. ليس هذا فحسب، إذ يؤكّد السوسي أنّ الفوضى التي تعيشها ليبيا في السنوات الأخيرة، إضافة إلى سعي الدولة لمحاصرة التهريب، أدّى إلى تفاقم مشاكل الأهالي وارتفاع معدّلات البطالة والفقر، حيث كانت ليبيا متنفساً لهؤلاء سواء عبر السفر للعمل هناك أو عبر تهريب بعض المواد. ويضيف السوسي أنّ صور الواحات الخضراء وشلالات الصحراء تخفي مشكلة كبيرة يعاني منها أهل الجنوب، وهي العطش والنقص الحاد في مياه الريّ والشرب. فعلى الرغم من أنّ الجنوب التونسيّ يحتوي على 60% من المياه الجوفيّة في البلاد ككلّ، إلّا أنّ الاستغلال المفرط لهذه الثروة خصوصا في عمليّة استخراج الفوسفات الذّي يستهلك 18 مليون متر مكعب سنوياً يمثّل تهديدا حقيقيّاً للأهالي. هذا الوضع الكارثيّ أدّى إلى امتداد التصحر والانجراف ليشمل أكثر من 6 ولايات في الجنوب حسب الدراسة الأخيرة لوزارة البيئة والتنمية المستديمة.
هذه العوامل، إضافة إلى الإحساس بالنسيان والتهميش، جعلت من محافظات الجنوب إحدى أكثر المناطق سخونة، والتي عرفت تحركات احتجاجيّة عنيفة خلال 2015 للمطالبة بتحسين الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة للأهالي.
اقرأ أيضاً: تونس: في العام 2016 ...إصلاح اقتصادي أو خراب اجتماعي؟