مبادرة علي الحاج للسلام تؤجج صراع الصلاحيات داخل "الشعبي السوداني"

12 سبتمبر 2017
الحاج أعلن عن مبادرة تشمل كافة القوى السياسية (فيسبوك)
+ الخط -


أطاحت مبادرة للسلام في السودان، بدأ في تسويقها الأمين العام لـ"المؤتمر الشعبي السوداني"، علي الحاج، الأسبوع الحالي، بالسلام داخل حزبه، فقد أحدثت المبادرة خلافات قادت نائبه أحمد إبراهيم الترابي لتقديم استقالته من موقعه، احتجاجًا على عدم مشاورة الأمانة العامة للحزب بالمبادرة قبل تسويقها، وعمدت قيادات داخل الحزب لتصويب انتقادات لاذعة للمبادرة، باعتبارها من بنات أفكار الحاج، والتنبؤ بفشلها في تحقيق أهدافها.

وكان الأمين العام لـ"المؤتمر الشعبي" قد أعلن في عيد الأضحى، أثناء معايدة حزبه أمام عدد من القوى السياسية المعارضة، عن مبادرة لإحلال السلام في البلاد عبر الاتفاق على خارطة طريق مشتركة بين كافة القوى السياسية دون استثناء، فضلًا عن المليشيات المسلحة التي تقاتل في بؤر النزاع في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وولايات درافور.

وعقد الحاج سلسلة لقاءات مع قادة المعارضة، بينهم زعيم "حزب الأمة"، الصادق المهدي، وسكرتير "الحزب الشيوعي"، مختار الخطيب، فيما اعتذر حزب "البعث الاشتراكي" عن اللقاء، بحجة أن "المؤتمر الشعبي" أصبح جزءًا من الحكومة التي يعارضها. كما التقى الحاج، بالأمس، الرئيس السوداني عمر البشير.

ووجدت مبادرة الشعبي ترحيبًا من القوى السياسية المعارضة، برغم التحفظات التي أبدوها، فضلًا عن التشديد على ضرورة تحقيق شروط تهيئة المناخ عبر إعلان وقف الحرب، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وبسط الحريات، قبل أية خطوات تتصل بالسلام، باعتبارها أساسيات لإنجاح أي عملية سلام.


ولم تكن المبادرة وحدها السبب في فتح باب الخلافات داخل حزب "المؤتمر الشعبي"، فثمة خلاف قائم بين الأمين العام علي الحاج، ورئيس شورى الحزب، مساعد الرئيس السوداني، إبراهيم السنوسي، إذ يرى الأول أن الثاني عادة ما يتجاوزه، ويسيء التصرف كأنما هو الأمين العام، ويعمل على اتخاذ قرارات تتصل بالحزب دون علمه، آخرها قيام السنوسي باختيار ثلاثة مستشارين للرئيس البشير بدرجة وزير، دون الرجوع للحاج، وهو ما أغضب الأخير وقاده لوقف الخطوة برمتها، رغم أن المناصب التنفيذية الثلاثة من نصيب الشعبي، ضمن توزيع كراسي السلطة بين الأحزاب التي شاركت في الحوار الوطني.

وبدأت موجة المذكرات تتصاعد من جديد، بعد أن تسلم الحاج مذكرة تصحيحية من أحد قيادات الحزب التاريخية، حسن خليفة عثمان، ساندها عدد من قيادات وكوادر "المؤتمر الشعبي"، وحملت عنوان "المؤتمر الشعبي والمأزق التاريخي"، وانتقدت مسيرة الحزب ما بعد حسن الترابي، وأداء علي الحاج، فضلًا عن المشاركة في الحكومة.

وطالبت المذكرة، التي اطلع عليها "العربي الجديد"، بإعادة هيكلة الحزب وتقليص الأمانات فيه، فضلًا عن تقليص ما سمّته بـ"الإكراميات الوظيفية"، وشددت على ضرورة إعادة صياغة النظام الأساسي للحزب، لا سيما في ما يتصل بالمواد التي مكّنت الأمين العام من التحكم الكامل في الحزب في ما يتصل بالتعيين والفصل والقرار، مع إضعاف الأمانات.

ويرى القيادي في "المؤتمر الشعبي"، كمال عمر عبدالسلام، أن حزبه بعد وفاة الترابي أصبح مضطربًا، رغم ما يظهره من تماسك، معتبرًا إطلاق الأمين العام لمبادرة السلام، دون إجازتها من قبل الأجهزة المختصة للحزب، أو كتابتها، دليل على ذاك الاضطراب. ورجح أن لا يكتب للمبادرة النجاح، وتساءل "كيف يطلق الحزب مبادرة للسلام وهو جزء من الحكومة، ودون أن يشاورها"، ورأى أن إطلاقها جاء في إطار العلاقات السياسية والدعاية الإعلامية.

وفي المقابل، دافع القيادي في "المؤتمر الشعبي"، أبوبكر عبدالرازق، عن المبادرة، ورأى أنه ليس بالضرورة أن تجاز من الأمانة العامة، باعتبار أنها جاءت من قبل أمانة إدارة الأزمات المختصة بذلك النوع من الإدارات، مشيرًا إلى أن الأمانة تحتضن بداخلها نحو 25 عضوًا، وأنه يمكن إبلاغ الأمانة العامة لاحقًا، معتبرًا أيضًا أن هناك "حملة منظمة" تساق ضد الأمين العام علي الحاج. 

ويستبعد مراقبون أن تجد مبادرة "المؤتمر الشعبي" طريقًا للتنفيذ، ويرى بعض هؤلاء أن أولى عراقيلها جاءت من داخل الحزب، وأن المبادرة بمثابة تهرب قيادة الحزب من الضغط لتنفيذ مخرجات الحوار. ورأى المراقبون أيضًا أن فشل قادة "الشعبي" في تمرير التعديلات الدستورية، فضلًا عن ورقة زعيمهم الترابي الخاصة بالحريات، إلى جانب إعلان الأمين العام تهميشهم في ما يلي ملفات السلام في الحكومة، وإبعادهم عنها، مؤشرات لفشلهم في تحقيقها، لغياب الثقل السياسي والتأثير الذي يمكّنهم من تحقيق متطلبات المبادرة عبر الضغط على أي من أطراف النزاع، لا سيما حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم.


المساهمون