تستعد تونس لتنفيذ خطة تحوّط شاملة ضد تقلبات سوق النفط العالمية وتداعياتها على مخزونات المصرف المركزي من النقد الأجنبي، تفاديا لأي زيادة في حجم التداين الخارجي وارتفاع النفقات المترتبة عن عجز الطاقة.
وقدمت الحكومة طلبا إلى المصرف المركزي يحث على تعديل القانون بهدف تمكين المصارف من إجراء الخطة الجديدة.
ويعتبر الخبير المالي نادر حداد أن سياسة التحوّط التي بدأت الحكومة في تنفيذها مجدية إلى حد ما في الحد من تداعيات تقلبات سعر النفط في السوق العالمية في ظل التوترات الحالية، مشيرا إلى إبرام عقود شراء مسبقة يمكّن من حصر نفقات الطاقة واللجوء إلى ميزانيات تكميلية أو تعديل في أسعار الاستهلاك للحد من التكلفة.
وأضاف حداد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تونس تعوّدت على التحوّط بزيادة مخزونات الذهب أو الفرنك السويسري واليان الياباني بدرجة أقل، لافتا إلى أن الوضع الحالي يفرض توسعة دائرة الإجراءات الاحترازية لحماية التوازنات المالية للدولة.
وحول مساهمة البنوك في الخطة الجديدة بالعملة الصعبة، قال حداد إن القانون التونسي لا يجيز للمصارف القيام بهذه العملية لتبقى من مشمولات المصرف المركزي الذي يقوم بعمليات شراء للعملة عبر مختصين في المالية، مؤكدا أن تغيير القوانين بمبادرة حكومية يساعد على مساهمة أفضل للقطاع المصرفي في سياسة التحوّط العامة التي تسير تونس نحو تنفيذها ومواجهة مخاطر التقلبات التي تطرأ على سعر منتجات حيوية، بحسب قوله.
والخميس الماضي، أعلن وزير الإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي أن تونس تسير نحو توسعة سياسة التحوّط التي بدأت في تنفيذها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في قطاع المحروقات، مشيرا إلى تقديم طلب إلى المصرف المركزي التونسي يحث على تعديل القانون وتمكين المصارف من إجراء هذه العملية.
وقال إنه يجري حاليا الإعداد لاستراتيجية تحوّط وطنية ستعرض قريبا على مجلس وزاري، ما يساهم في تأمين الموازنات العامة ضد تقلبات السوق.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نفذت تونس أول عملية تحوّط من خلال الموافقة على تدخل البنك الدولي في عملية تغطية مخاطر متمثلة في حماية ميزانية الدولة من ارتفاع أسعار النفط وتأثيرها المباشر على كلفة الدعم.
وأتاحت عملية التحوّط المنجزة، تغطية حوالي ثلث إجمالي واردات تونس السنوية من النفط لمدة 12 شهرا لتشمل 8 ملايين برميل، ما يمثل 30 بالمائة من الواردات الصافية لتونس من النفط الخام بقيمة 65 دولاراً للبرميل مقابل سداد مبلغ 2.24 دولار للبرميل الواحد.
وعلى امتداد الفترة بين 2010 و2018، تضاعفت النفقات المخصصة للدعم بما في ذلك الطاقة 10 مرات، حيث بلغت 650 مليون دينار (الدولار = نحو 3 دنانير) سنة 2010، ما يمثل 1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ثم ارتفعت إلى 5.2 مليارات دينار سنة 2018 ما يمثل 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب بيانات رسمية.
وكشفت بيانات حديثة لوزارة المالية عن "انفجار "في الدين العام التونسي بسبب زيادة نسبة الفائدة الموظفة على القروض الخارجية والتراجع الكبير لسعر الدينار منذ 2017 عقب مصادقة البرلمان على قانون استقلال البنك المركزي وتحرير سعر الصرف في إبريل/ نيسان 2016.
واعتبر المحلل بالمرصد التونسي للاقتصاد شفيق بن روين، أن تخفيض قيمة الدينار بداية من 2016 السبب الرئيسي في زيادة الدين العام وضعف أرصدة البنك المركزي من العملة الصعبة.
وقال بن روين لـ"العربي الجديد" إن الدين العمومي الخارجي قفز من 29.9 مليار دينار سنة 2015 إلى 60.2 مليار دينار عام 2018 نتيجة زيادات خدمات الدين وفوائد القروض التي تسدد بالعملات الأجنبية، ما يستدعي مضاعفة الجهد الحكومي في السنوات الخمس.
وارتفعت نسبة الدين العام في تونس إلى 74% من الناتج المحلي حاليا بعد أن كانت في حدود 45% عام 2011، فيما بات الاقتراض مصدر قلق لدى التونسيين، وخاصة المعارضة بعد ترجيحات بأن ترتفع النسبة إلى أكثر من 80 % نهاية العام الحالي.
والخميس الماضي، أكد صندوق النقد الدولي في بيان أصدره عقب الموافقة على صرف شريحة قرض سادسة لتونس بقيمة 245 مليون دولار، استمرار مواطن الضعف في الاقتصاد الكلي التونسي بالرغم من ظهور نتائج للجهود الإصلاحية.
ودعا الصندوق السلطات المالية إلى الحفاظ على استقرار العملة المحلية، مؤكدا إمكانية اللجوء إلى رفع سعر الفائدة مجددا إذا تجاوزت توقعات التضخم لشهر ديسمبر/ كانون الأول 2019 الهدف.