خطة الضمّ

12 يونيو 2020
(أحلام بشارات)
+ الخط -

ستّون خطوة كبيرة في الطول
وخمس خطوات كبيرة في العرض
هذه هي مساحة المزرعة
في غابة "والتهام"
بالقرب من نهر "ليا"
السبانخ والبصل في أتم الاستعداد للأكل الآن
لكن عامل البلدية أخبر صديقتي وزوجها أنهما سينتقلان إلى مكان آخرَ في العام القادم
كان مازال هناك صيفٌ كاملٌ، وخريفٌ كامل، وشتاءٌ طويل
حتى يأتي الربيعُ
حينها ستمنح بلدية لندن الأرضَ نفسها لشخص آخر أو شخصين آخرين
ربما زوج وزوجة
وسيبدآن من جديد
جرفَ النفايات
والحصولَ على البذور
ودفنها في الأرض، وسقايتَها
كان القط رابلوس
يتمطى تحت الشمس
سعيدا بوجبة الطعام
وإن جاع كان سيتمشى قليلا فوق الأرصفة المخصّصة للدراجات
وقد يغيب أياماً عن البيت
ثم يعود دون إجابات لو سألوه:
- أين كنت يا رابلوس؟
سيتثاءب
ثم يتمطى لو وجد شمسَ آخر الربيع مرة أخرى
ساطعةً
أعرف البيتَ جيداً
حوضَ الاستحمام
يوم غسلت شعري فظل مجعداً
لأني لم أحمل معي مطرّياً لإرخائه
وحملت مقصّ الأظافر
وأعرف الدرج الخشبي
وعلاّقة الملابس بين كراتين الكتب
وبيت الخردوات
ومنه الطريق السري
إلى المدخل الخلفي للنُزُل
والمحطة التي تحمل اسم النهر Lea وكلمة: Bridge
يوم عدت من مدينة غلاسيكو
وهبطت في المحطة
وزوج صديقتي يدلّني على الطريق عبر الهاتف
شمال.. يمين.. إلى الأمام
وكل الأنحاء تبدو غريبة
ولم يكن هناك أكبر من أرض الخوف في داخلي
ولا أكثر خضرة من الاستدلال على مكان يخصّني في تلك الأنحاء
ماءَ القطُ رابلوس خلف الباب
كانت بداية الليل الشتوي لشهر ديسمبر الحالكة
وسرعان ما اختفى في الزاوية
وكانت صديقتي على متن الطائرة في طريقها إلى قطعة أرض أخرى من العالم
بينما كنت بعدها بأيام سأعود إلى الأرض المحتلة
التي صارت قصتها تكلح كقميص قديم
على جثة أبي وهو يزرع الأرض عندما كان شاباً في الأربعين
مخلوعِ الكوعين
ممزقِ الأطراف عند الرسغين
المتّسخِ بالوحل فوق صدره
جراء إهماله المتعمد
كَذَكرٍ عامل
وسأمرّ في الطريق من جسر اللنبي
على قرية الجفتلك
مسقط رأسي
وكانت الصورة ستلوح كالسراب
بتوسعات الطَلق وما يصاحبها من نبض
.. فصلُ الخريف
الشمس ما زالت حارقة في الغور
وعرق أمي يسيل وصراخها يعلو
ونباتات الباذنجان ترنو نحو الشمس
وتتدفق الخضرة في أوراق أشتال البندورة
وأزرارِها
وأمي تضمّ ساقيها بحذر
وأنا أمزطُ إلى الخارج
والجبال والأرض الموزعة بينهما
تتراخي في ارتياح
قبل أن تعلن دولة الاحتلال خطةَ ضم الأغوار
فتنفتحُ الأعضاء
مجدداً
فتكشف عن الجرح
الذي أحدثته ولادتي
قبل أربعة وأربعين عاما


■ ■ ■


العالم شاسع جداً
مساحته 510,072,000 كم²
إلا أنه في كل قصة حب
يترك أحدٌ هذا كله وراءه
ويحتل هذه العضلة بين جوانحي
مساحتها 12 ×13 سم
أضم ذراعي فوقها
حتى أحميها
لكنها تتسرب من تحت ثوبي
وتذهب
كدماء الدورة الشهريّة


■ ■ ■


ولمّا اشتريت بيتاً
لم يكن الأمر هيّنا أن أختار بقعة من الأرض
لأعيش فيها
فأترك البيت كله
وأطل منه على قمة جبل
فوقه شجرتان متعانقتان
لم يُرني إياهما مالك البيت يوم جئت لتفقده
للنظر في الزوايا حيث قد تبنى بيوت واهية
تفقدت الحمام وحواف البانيو
وإطلالة البلكون على سطح العمارة المجاورة..
جهة الشرق
والإطلالات الثلاث، حيث الشمس تدخل البيت وتنقش الأثاث
ويحرّك الهواءُ الجرسَ الذي علقته بعد أن استقريت
لو فتحت نافذة غرفة الأطفال
التي أعرف الآن.. أنها ستظل خالية إلى الأبد
وغرفة الجلوس بلا جالسين.. معظم الوقت
لم أعرف أني سأترك كل الأماكن الشاغرة
وسأقيم هناك
ستضّمني الشجرتان
وأنا أتحرك في غرفة المطبخ
أمام طنجرة الطبخ الصغيرة
ولن أدفع الثمن
إلا إذا قصهما أحدٌ بمنشاره
أو بأحد الحروف
كالحرف C
حيث يمكن تقسيم الأرض
وفي حال الفلسطينيين، بمشرط اللغة.


■ ■ ■


لن يصدّق أحد أن امرأة خالية من الأمراض
فتيّة
معافاة
تفكر كل يوم بـ:
- أين ستدفن؟
- على ماذا سأطل من فجوة الضريح؟
- هل أتلاشى بالحرق؟
- هل أطلب أن يرموني للأسماك؟
- لكن أين هو البحر؟
- لا أحب القرية.
- إذن في الغور؟
- أين؟
- مكان ما دفنت أمي" خُلاصتي"
بجانب خلاصة ماعز وَلَدت ذاتَ النهار؟
- أين؟
- ما الذي سيضمني في النهاية؟


* كاتبة من فلسطين

المساهمون