خديعة الأسماء

28 يوليو 2017
ياسر صافي/ سورية
+ الخط -

يمكنك أن تحصي عشرة كتّاب معروفين في العالم العربي ممن يكتبون في مقالاتهم وأحاديثهم عبارة: "ما سمي بالربيع العربي" حين يريدون تسمية ثورات العرب في هذا العقد من قرننا. والمقصود هو التشكيك بهذه الثورات، وازدراؤها، والطعن في نبل أو أصالة أهدافها، والنيل من الناس الذين ثاروا، وهتفوا، من أجل أمنياتهم وأحلامهم.

وبحسب هذا الإحصاء فإن غالبية الذين يزدرون الربيع العربي، يؤمنون بالثورة، ولكن ليس هذه الثورات. وعند هذه الـ"لكن" يمكن أن يشيروا إلى ثورات أخرى غير هذه "الثورة" ويمكن أن تُقدّم الثورة الفرنسية وهي مغسولة ومتأنقة، وقد ارتدت ثياب جان جاك روسو مثلاً.

ومصادر العيوب التي تستأهل التشكيك كثيرة في شهاداتهم، وأبرزها أنها ثورات بلا قيادات، وأنها ثورات بلا تمهيد فكري وسياسي، وأنها فضلاً عن هذا ثورات ريفية، لم تشارك فيها المدن إلا متأخرة، ومرغمة (هذا يقال عن الثورة السورية). ومتأسلمة لا تؤمن بالتغيير الديمقراطي. ولأنهم لم يستطيعوا سحب عبارة الربيع العربي من التداول، فقد اختاروا السابقة "ما سمي" إليها لينجزوا مهمة التشكيك والريبة.

ما العمل الآن؟ فقد تخيّب الثورة الفرنسية، النموذج المعدّ للثورات. إذ يكتب إيريك هوبزباوم في "عصر الثورة": إن الثورة الفرنسية لم تحدث على أيدي حزب أو حركة. ولم يتزعّمها رجال يحاولون تنفيذ برنامج منهجي منظم. بل إنها لم تطرح "قيادات".

اللافت أن من بين هؤلاء الكتّاب روائيين كتبوا عن القمع، وأرّخوا لقادة ثورات، ونقّادا كانوا دعاة إلى التحديث، وشعراء ومغنّين كتبوا وغنّوا عن الأمل والثورة والتمرّد والسجون والظلم. وهناك احتمال، لم يصرّح به بعد أي واحد من أشياع الـ"ما سمي بالربيع العربي" أن يكون سبب مواقفهم هو احتقار تلك الحشود التي خرجت من المجهول كي تصادر أرصدتهم التاريخية. وهنا قد يكون السؤال الشهير للعقيد القذافي: "من أنتم؟" تعبيراً عن صدمة هذه النخب أيضاً. ألأنهم خرجوا من المجهول لا المتخيّل إذن يسلبهم هؤلاء الكتاب شرف ثوراتهم؟

سبق أن وقف الشاعر الأميركي إزرا باوند إلى جانب النازية، وانكفأ جون شتايبنك عائداً إلى حضن الرأسمالية بعد سلسلة الروايات التي أدان بها استغلال العمّال. المشكلة أمام تاريخ الأدب هي في تلك النزعة الميالة إلى فصل النتاج الإبداعي عن المواقف المباشرة للكتّاب.

ولكن كثيراً من الشبّان اليوم يرفضون هذا النهج، ومنهم من امتنع تماماً عن الاستماع إلى الأغاني التي كانت تحتفي بثورة افتراضية، حين امتنع صاحبها عن مناصرة الثورات الراهنة. ولم يعد كثير من القرّاء يحتفون بالشعر الذي كُتب عن القمع أو الظلم في حال كان الشاعر اليوم يسخر من ثورتهم على ذلك القمع ذاته، أو يهزأ من انتفاضتهم ضد الظلم، وهتافهم للحرية.

وليس لدينا ما يثبت أن المستقبل قد يفعل مثل هذا الذي ينفذه المعاصرون. ولكن الشعر نفسه، أو الأغنية، أو الرواية، قد تقول ذلك، حين تكذّب هي نفسها الكاتب الذي كان يغنّي للربيع، ثم راح ينكره حين جاء.

المساهمون