خجل الموريتانيات يرفع إصابتهنّ بسرطان الثدي

13 أكتوبر 2017
ربّما تخجلان من الخضوع للفحوصات اللازمة (فرانس برس)
+ الخط -

تخوض جمعيات موريتانية حرباً في وجه الخجل والتقاليد، التي تمنع نساءً موريتانيات كثيرات من اتخاذ الخطوة الأولى والخضوع لفحوصات بهدف الكشف المبكر عن سرطان الثدي.

لم تستطع أمينة بنت التجاني إخفاء خوفها أمام ابنتها وهي تستعدّ لدخول غرفة التصوير الشعاعي، للتأكد من عدم إصابة خلايا أخرى في جسمها بـالمرض الخبيث، الذي اكتشفت أخيراً انتشاره في ثديها الأيسر، فاضطرت إلى الخضوع لعملية جراحية لاستئصال الخلايا المصابة. تكللت الجراحة بالنجاح، لكنّ الخوف من ظهور المرض مجدداً، ما زال سيّد الموقف.

تروي أمينة وهي أمّ لأربعة أطفال، في أواخر عقدها الرابع، كيف اكتشفت إصابتها بـسرطان الثدي، ذلك المرض الذي لم تستطع نطق اسمه، واكتفت بما يطلقه الموريتانيون عليه "يكلع بأسه" (يُزيل يأسه). وتقول: "رحتُ أشعر بآلام خفيفة من حين إلى آخر في ثديي الأيسر، لكنّني لم أعر الأمر اهتماماً، إلى حين ألحت عليّ ابنتي (21 عاماً) لإجراء الفحوص الطبية اللازمة". تضيف أمينة، وهي تمسح دموعها، أنّها لم تتمكّن من تصديق الأمر حين أعلمها الطبيب بإصابتها بورم خبيث، فقصدت طبيباً آخر أكّد الأمر. وعرفت حينها أنّها سوف تبدأ مشوار العلاج الطويل المكلف في موريتانيا.

سافرت أمينة إلى تونس بدعم مادي من عائلتها، وخضعت لعملية جراحية عاجلة جرى خلالها استئصال الورم. وبعد انتهاء فترة النقاهة، خضعت لأربع جلسات من العلاج الكيميائي، قبل أن تعود إلى موريتانيا وتحاول التأقلم مع حياتها الجديدة. وعلى الرغم من أنّ أمينة حظيت بدعم أسرتها وزوجها، فإنّ ثقتها بنفسها اهتزّت، وباتت تخشى أن يتركها زوجها وتخاف من ظهور المرض من جديد.

من جهتها، اكتشفت عائشة بنت سيد أحمد إصابتها بسرطان الثدي قبل ثلاث سنوات، وعرفت مراحل علاج صعبة إذ اضطرت إلى انتظار دورها بعدما أدرج اسمها على قائمة المرضى المتوقّع خضوعهم لعمليات جراحية في مستشفى العاصمة نواكشوط، قبل أن تخضع إلى علاج كيميائي في المركز الوطني للأنكولوجيا. تخبر أنّ "أصعب اللحظات هي حين علمت بإصابتي بالمرض واضطررت إلى إخفاء الأمر عن صغاري"، مؤكدة أنّها فقدت راحة البال مذ علمت بالمرض. لكنّها أصبحت اليوم أكثر تقبلاً لهذا الوضع، خصوصاً أنّها تحظى بدعم كبير من قبل أسرتها ومحيطها في العمل.

ويُعَدّ سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان انتشاراً في موريتانيا مع نسبة 15 في المائة، يليه سرطان عنق الرحم مع نسبة 10 في المائة، فسرطان الجلد مع نسبة 8 في المائة، ثمّ سرطان المثانة مع نسبة 6 في المائة، بحسب بيانات خلصت إليها دراسة أعدّتها منظمة غير حكومية. وبحسب الأرقام الصادرة عن المركز الوطني للأنكولوجيا، فإنّ نسبة النساء اللواتي يقصدنَ المركز تمثّل 52 في المائة من مجموع عدد المراجعين، وذلك بسبب انتشار سرطانَي الثدي وعنق الرحم في البلاد.




وعلى الرغم من جهد الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تهتمّ بدعم مرضى السرطان، فإنّ حملات التوعية حول مخاطره عموماً، وسرطان الثدي خصوصاً، ما زالت دون المستوى المطلوب، وسط غياب شبه كامل للجهات الرسمية. وفي مطلع أكتوبر/ تشرين الأوّل الجاري، وهو الشهر العالمي للتوعية حول سرطان الثدي، أطلقت جمعيات موريتانية عدّة حملات توعية تشمل حملة للكشف المبكر عن سرطان الثدي تمتد طيلة هذا الشهر. وفي السياق نفسه، تنظم جمعية "أسعد تسعد" الخيرية حملة سنوية للتوعية حول مخاطر سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم تحت عنوان "كوني بخير". وتهدف الحملة بحسب القائمين عليها إلى حثّ النساء على الخضوع لفحوصات الكشف المبكر، كخطوة وقائية. تجدر الإشارة إلى أنّ الجمعيات عموماً تواجه عقبات كثيرة، لعلّ أبرزها ضعف التغطية الصحية وانتشار الخوف والخجل والمعتقدات الخاطئة حول المرض بين النساء، وهو ما يحول دون الكشف المبكر عنه.

في سياق متصل، مثّل إنشاء المركز الوطني للأنكولوجيا في أواخر عام 2008، حلقة مهمّة في إطار سياسة تعاطي الدولة مع مرضى السرطان، الذين كان معظمهم يفقدون حياتهم داخل مستشفيات البلاد، نظراً إلى عجزهم عن توفير تكاليف العلاج في الخارج. يُذكر أنّه منذ إنشائه، تراجع عدد المصابات بسرطان الثدي، اللواتي يتوجّهن إلى خارج البلاد لتلقّي العلاج، وساهم المركز في محاربة السرطان عموماً وفي اكتشاف مرض سرطان الثدي في مراحله الأولى. وبحسب البيانات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من سجلات المركز، فإنّ نسبة المصابات بسرطان الثدي في موريتانيا كانت 20 في المائة في السنوات الأولى لافتتاح المركز، لكنّها انخفضت إلى 15 في المائة.

إلى ذلك، وفي إطار جهود موريتانيا لإيجاد آلية للكشف والعلاج المبكرَين، جرت المصادقة في نهاية العام المنصرم على خطة وطنية شاملة لمكافحة السرطان في موريتانيا. وتركز الخطة على الوقاية من مرض السرطان وعلى التوعية حول خطورته وحول أهمية الكشف والعلاج المبكرَين له. وبحسب ما تفيد السلطات، فإنّ هذه الخطة تتّسم بالشمولية، إذ تحدد للطبيب والممرّض والقابلة في كلّ أنحاء موريتانيا آليات مكافحة هذا المرض. تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة لوضع حدّ لمرض السرطان، إلا أنّه يلاحَظ غيابها بصورة كبيرة عن الحملات.