تحاول الأردنيات الإثبات بأنّه في مقدورهنّ غلب سرطان الثدي، من خلال اتخاذ قرار المواجهة والإصرار على التعامل بإيجابية مع مصابهنّ، وبالتأكيد من خلال الكشف المبكر كذلك.
"تماماً مثل أيّ إنسان يعلم أنّه مصاب بالسرطان، دخل الخوف قلبي. ورحت أفكّر في حياتي وفي أبنائي وبناتي وعائلتي". تستذكر رندة الصيفي، الناجية من سرطان الثدي، لحظة اكتشافها إصابتها بالمرض مطلع عام 2012. حينها، استجمعت مدرّسة اللغات شجاعتها بعد الصدمة الكبيرة التي تلقتها، ووضعت نفسها أمام خيارَين لا ثالث لهما إمّا الاستسلام أو المواجهة. واختارت المواجهة.
لا تستطيع الصيفي تحديد مصدر القوة التي هبطت عليها عند اكتشاف المرض، وتقول: "شعرت بالسكينة. المرض مثّل لي فرصة لاختبار إيماني بالله وإصراري على الحياة". وحسمت أمرها: "سوف أحارب المرض وأغلبه".
عندما أصيبت الصيفي بالمرض كانت في الخامسة والأربعين من عمرها، وعلى الرغم من أنّها كانت ملتزمة بإجراء الفحص المبكر، فإنّ المرض لم يُكتشَف إلا بعدما أصبح في مرحلته الثانية، وهي مرحلة خطرة نسبياً وتتطلب فترة علاج أطول. في السياق نفسه، يوضح مدير مديرية الأمراض غير السارية في وزارة الصحة الأردنية، الدكتور ماجد الأسعد، لـ "العربي الجديد" أنّ "فرص الشفاء من المرض تكون أكبر عند اكتشافه في المرحلتَين الصفرية والأولى، إذ تتجاوز نسب احتمالات الشفاء 90 بالمائة، فيما تقلّ كلّما جرى اكتشافه في مراحل متقدّمة".
قبل أن تبدأ الصيفي رحلة العلاج، اتخذت قرارها بجعل إصابتها نقطة تحوّل في حياتها، أرادته "تحولاً نحو الأفضل. فتعاملتُ بإيجابية مع إصابتي، وقرّرتُ ألا أدع الابتسامة تفارقني خلال العلاج، سواءً عند الاستئصال أو في مرحلة العلاج الكيميائي أو العلاج الإشعاعي". ولا تفوت الصيفي التأكيد على أهميّة الدعم النفسي الذي وفّرته لها أسرتها، لكنّها تشير إلى أنّ "المسؤولية في تأمين الدعم النفسي من المحيطين تقع على المريض نفسه". وتروي أنّه بعدما تقبّلت إصابتها بالمرض وقرّرت محاربته، بدأت مهمة تثقيف أبنائها حول طبيعة المرض وفرص الشفاء الكبيرة منه. تضيف أنّه "بعد إنجاز تلك المهمة، أصبحت نظرتهم أكثر تفاؤلاً وأصبح دعمهم النفسي أكبر".
ويحجز سرطان الثدي لنفسه المرتبة الأولى من بين الأمراض السرطانية في نسبة انتشاره بين الأردنيين. وبحسب آخر بيانات السجل الوطني لسرطان الثدي، سُجلت 1187 إصابة بسرطان الثدي، من بينها 13 إصابة بين الذكور. ويقول الأسعد إنّ "نسبة الإصابة بسرطان الثدي في الأردن تقع ضمن المعدلات الطبيعية لنسب الإصابة في دول المنطقة، مع وجود تباينات بين الدول"، مشيراً إلى أنّ "نسبة الإصابة في لبنان مثلاً أعلى منها في الأردن، فيما تأتي النسب أدنى في مصر والسعودية". ويرى الأسعد في "زيادة حالات الإصابة المسجّلة مؤشراً على فعالية السجل الوطني للسرطان في رصد الحالات"، مشيراً إلى عدد الحالات القليلة التي سُجّلت عند إنشاء السجل في عام 1996 بالمقارنة مع الحالات المسجّلة بعد تطوّر إجراءات الرصد.
بعد مراحل تصفها بالصعبة، شفيت الصيفي من المرض وراحت تكرّس وقتها لمساعدة المصابين والفئات الأقل حظوة. تقول: "كنت مدرّسة وكان العطاء جزءاً من حياتي. وبعد إصابتي، أصبح عطائي موجّهاً لمساعدة مرضى السرطان والأقل حظاً. إصابتي جعلتني مؤمنة على نحو أكبر بأنّ لكلّ إنسان دوراً يؤدّيه في الحياة".
في إبريل/ نيسان 2013، قبل أن تتماثل الصيفي للشفاء التام، شاركت في رحلة "من أخفض بقعة إلى أعلى قمة من أجل السرطان"، التي هدفت إلى نشر الوعي حول المرض وجمع تبرّعات في السياق. وتصف الصيفي الرحلة التي انطلقت من منطقة البحر الميت في الأردن ووصلت قمة كالباتار في جبل إيفرست ضمن سلسلة الهيملايا، والتي تقع على ارتفاع 18 ألفاً و200 قدم، بـ"التجربة الاستثنائية".
وتمضي الصيفي في نشاطها، وتشارك في حملات أكتوبر/ تشرين الأول السنوية للتوعية حول سرطان الثدي، وتُعدّ ذلك جزءاً من مسؤوليتها لمساعدة المصابات. حملة هذا العام تأتي تحت شعار "افحصي وطمنينا"، وتهدف بحسب البرنامج الوطني لسرطان الثدي إلى تشجيع النساء على إجراء الفحص المبكر بما يساعد على تشخيص المرض في مراحله المبكرة، وإلى زيادة الوعي العام حول عوامل الخطورة التي قد تزيد من احتمال وقوعه وأعراضه، وإلى تسليط الضوء على دور المجتمع عموماً والعائلة خصوصاً في تشجيع النساء على فحوصات الكشف المبكر.
رولا نور، من الناجيات من سرطان الثدي، تحثّ على الكشف المبكر، مشيرة إلى أنّ "المرض لا يعرف عمراً محدداً". ونور كانت قد أصيبت في عام 2013 عندما كانت تبلغ من العمر 33 عاماً. تقول: "لم أكن أظنّ أنّ السرطان يمكن أن يصيبني في هذا العمر. كنت أظنّ أنّه يصيب كبيرات السنّ، لكنّني اكتشفت أنّ اعتقادي كان خاطئاً". وهي كانت قد اكتشفت إصابتها صدفة، عندما شعرت بورم في ثديها. تخبر أنّها ظنّت "الأمر عرضياً، لكنّني عندما راجعت الطبيب صُدمت بأنّه سرطان". تعترف بأنّها "كانت لحظة قاسية، لكنّني نجحت في تجاوزها. لم أنتظر.. هزمته قبل أن يهزمني". وهي اليوم تشدّد على ضرورة عدم التأخّر في مراجعة الطبيب عند الشعور بما هو غير معتاد، وكذلك على الفحص المبكر عندما يحين موعده.