خبث تيريزا ماي

16 يوليو 2016
أنهت ماي يومها الأول في الحكم باحتواء منافسيها (Getty)
+ الخط -
قد يقول بعضهم إنه من المُبكر الحكم على نوايا السيدة الأولى في حكومة بريطانيا، وهي لم تمكث بعد على سدة رئاسة الحكومة إلا بضع سويعات، غير أن ما جرى في هذه السويعات، على قلتها، قد أظهر ما تمتلكه السيدة تيريزا ماي من خبث سياسي، بل ودهاء مُدهش.
بحنكة سياسية، افتقدها أعتى ساسة بريطانيا، اختارت ماي، الاختباء بعيداً عن عين عاصفة "البريكست"، بحيث احتار بعضهم في موقفها، فهي تساند بخجل رئيس الوزراء البريطاني في موقفه المُؤيد لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وغير مُستعدة لانتقاد دعاة الخروج. ومع أنها كانت وزيرة للداخلية، أي مسؤولة عن الهجرة والمهاجرين، وهي القضية التي شكلت صلب حملات "البريكست"، إلا أنها تصرفت وكأن الأمر لا يعنيها، وتظاهرت بالانشغال في ملفات مكافحة التطرف والإرهاب وتشجيع الاندماج بين فئات المجتمع. وما أن هدأت عاصفة "البريكست" التي أطاحت رؤوساً كثيرة، حتى رفعت تيريزا ماي رأسها، لتتقدم الصفوف بوصفها شخصية توافقية لم تحسب على أحد من معسكر "البريكست" في حزب المحافظين.
وما إن استوى لها أمر الحكم، وسارعت بتشكيل الحكومة، حتى أدهشت بخبرتها، وخبثها، كل من حولها، عندما استدعت عمدة لندن السابق، زعيم حملات "الخروج" من الاتحاد الأوروبي في استفتاء الشهر الماضي، بوريس جونسون، وأوكلت له حقيبة الخارجية. بعضهم حاول الزعم بالفهم والادعاء بأن ماي قد أبرمت صفقت مُسبقة مع جونسون، ينسحب بموجبها من السباق على رئاسة الوزراء، في مقابل حصوله على حقيبة وزارية. وقد يكون هذا مقبولاً، ولكن لماذا اختارت ماي تحميل جونسون حقيبة الخارجية تحديداً؟
ثلاثة أسباب، أولها أنها تريد إبعاد جونسون، المشاغب وطويل اللسان عن الساحة الداخلية، وإشغاله في ملفات خارجية قد لا تبدو ذات أولوية في المدى القريب. ثانيها تجنب تشويش جونسون على ملف "الخروج" ومسار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، ولا سيما مع إناطة هذه المهمة لوزارة منفصلة، على رأسها وزير قوي، خبير في الشؤون الأوروبية هو ديفيد ديفيس. وثالثاً، الاستفادة من شعبية جونسون داخل حزب المحافظين، وخارجه، وفي أوساط النخبة، والأوساط الشعبية، ولا سيما منهم أنصار "البريكست" الذين يشككون في جدية رئيسة الوزراء الجديدة لإتمام الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
وهكذا أنهت سيدة "داوننغ ستريت" يومها الأول في الحكم، باحتواء منافسيها بخبث لا ينقصها، والتخلص من خصومها بـ"برودة" تمتاز بها، حتى يستتب لها أمر الحكم في اليوم التالي.
المساهمون