حياد عربي يثير الريبة

26 مارس 2017
الدمار سيد الموقف في سورية (Getty)
+ الخط -

المتابع لتصريحات أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، حول سورية وإعادة الإعمار، وإبقاء مقعدها في قمة الجامعة شاغراً، لا يخطر له البتة أن هذه الجامعة هي ذاتها التي خرجت منها إدانة بشار الأسد، بل وفرض وزراء الخارجية العرب منها، أول عقوبات على النظام السوري منتصف عام 2011، منذ أوغل في دم السوريين وردّ على مطالب الحرية بالحديد والنار.

وربما لا يجد المتابع أيُّ تبرير، لتحوّل من ادعى صداقة الشعب السوري ودعم ثورته، وما آلت إليه الأقوال والأفعال العربية اليوم، من ترويج لإعادة إنتاج الأسد، والمساهمة في اقتسام كعكة خراب سورية، أو الصمت والنأي بالنفس، كأضعف الإيمان وأحسن الأفعال.

قصارى القول: أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن تكلفة إعادة إعمار سورية تبلغ 900 مليار دولار.

وقال أبو الغيط، خلال حوار أجراه معه أحد البرامج التلفزيونية المصرية، إن مفوضة الاتحاد الأوروبي السامية للسياسة الخارجية وشؤون الأمن، فيديريكا موغيريني، أبلغته بأن إعادة بناء سورية تحتاج إلى 900 مليار دولار.

واعتبر، وبحياد يحسد عليه، أن أوروبا توجّه رسالة لسورية مفادها أنه إذا لم تتفق أطراف الأزمة في البلاد على المستقبل السياسي، فإن الأوروبيين لن يشاركوا في إعادة إعمار سورية.

دونما أن يبرر السيد الأمين العام، لماذا أفشت له موغيريني بهذا السر الخطير، أو لماذا لم تُكمل المفوضة السامية معروفها وتنوه إلى ما آل إليه السوريون، من قتل واعتقال وتفقير وتهجير، وهي ومفوضيتها، ربما أكثر من يضجّ من لجوء السوريين ويبنون في وجه الهاربين من قتل الأسد، جدراناً من تمييز ومنع، ليبقوا أسرى العذاب والتيه في بلدان ومخيمات اللجوء.

ليس من المفاجأة بمكان، أن يبدأ الحديث عن إعادة الإعمار وتكاليفها، لأنها آخر ما يمتلك الأسد، ليقدمه من رشى لبقائه على كرسي التوريث، بعد أن رهن الثروات وأجّر قطاعات الطاقة وباع حتى من الجغرافيا السورية ما باع، لشركائه في الحرب والعقيدة، في موسكو وطهران.

بيد أن المفاجأة في تبنّي الجامعة العربية حملة الترويج والوعيد، وتسليط الضوء على مبالغ إعادة الإعمار المغرية، دونما حتى الإشارة إلى من هدَم وأوصَل التكاليف إلى هذا الرقم الهائل.
وربما تتمة فصول المفاجأة قريباً، وقت أن يرى السوريون تهافت الدول العربية، حتى من دعم منهم الثورة في مطلعها وحرَفها عن سكة مطالبها فيما بعد، على اقتسام غنائم الحرب وتوزيع حصص الخراب.

نهاية القول: إن قفزنا على ما تضمنه تصريح المسؤول العربي الكبير، من وجع وتنكّر لحقوق السوريين، لنسأل حول أمرين اثنين.

الأول، كيف قدرّت السامية موغيريني تكاليف الحرب التي ما تزال أوارها ملتهبة، ولم تزل طائرات الأسد وحلفائه تقصف وتهدم حتى اليوم، وترى إن هددت المفوضة الأوروبية بعدم المشاركة في إعادة الإعمار، فهل ستبقى سورية مهدمة إلى الأبد، أم أن ثمة متربصين، دولاً وشركات ومؤسسات دولية، تتحيّن الفرصة لاقتسام الجغرافيا والمساهمة في إعادة الإعمار وترك سورية ومصير السوريين مرهوناً ربما لقرون، تحت وطأة الديون وفوائدها، وربما بيع ما تبقّى، لسدادها.

وأما الأمر الآخر الذي غاب عن خلد موغيريني وأبو الغيط، أن السوريين لم يقوموا بثورتهم لأسباب اقتصادية، رغم سرقة ثرواتهم من نظامي الأسد عبر أكثر من نصف قرن، ومحاولات تجويعهم وسوء توزيع ثرواتهم، بل قام السوريون على نظام مستبد لتبديله بآخر ديمقراطي، وعندما يحققون غايتهم التي لن يحيدوا عنها، فهم الأدرى بتقدير خسائر الحرب وتكاليف إعادة البناء، بل وحتى تعهيد إعمار سوريتهم لمن يستأهل ويستحق.




المساهمون