حوكمة البورصات العربية

29 يونيو 2015
حاجة إلى حوكمة الأعمال لمواجهة الفساد (Getty)
+ الخط -
تشعّبت التعريفات الخاصة بالحوكمة التي تم ترجمتها من اللغة الإنجليزية لتعادل كلمة "Governess" وهي بطبيعة حال التعريفات الأجنبية ليس المقصود منها التعريف لشيء واحد معين، إنما هي مجموعة من الإجراءات التي يتم مراجعتها بشكل دوري حتى تعزز مجموعة من الأهداف التي يفترض بها أن تخدم المنظومة الاقتصادية لمجال التطبيق، سواء على مستوى شركة أو عدة شركات أو سوق أو حتى بلدان بكافة التعاملات.

ومن الكثير من التعريفات التي قرأت عنها أو تم تعريفها لمحاضرين أصحاب اختصاصات متفرقة، هناك إجماع على أن الهدف يؤدي إلى القيام بمجموعة إجراءات وتنظيم عام من أجل الحصول على أعلى منفعة من الأصول المتاحة بقدرات تنظيمية وبشرية تتوافق مع مصالح جميع أطراف التعامل مع الكيان أو المنظمة التي تقوم بتفعيل الحوكمة بما يتوافق مع قوانين الدولة المنظمة للعمل وبما يعظم من مستوى الشفافية.

ظهرت الحاجة إلى حوكمة الأعمال بعد أن ظهرت معالم الفساد الإداري في الأجهزة الحكومية مع عدم التأكد من كيفية إدارة الأنشطة في القطاع الخاص ووجود حالات فساد في إدارة الشركات وخاصة المساهمة العامة منها، وهذا أيضاً تم رصده في الأزمات المالية التي عصفت بالكثير من الشركات، وعلى إثرها قام المشرعون بإدخال مفهوم الحوكمة في نطاق قطاع الأعمال والمال على أمل أن يتم تطبيقه على الأجهزة الحكومية، ومع ذلك فإن الكثير من الدول المتقدمة قد بدأت بالفعل بتعميم الحوكمة على تلك الأجهزة وقامت بعمل ما يُسمّى بالغرفة الزجاجية.

اقرأ أيضا: تداولات البورصات العربية خلال شهر رمضان

وهذا المصطلح يعني، أن اجتماعات متخذي القرار حتى وإن كانت على مستوى مجلس الوزراء يجب أن تتسم بمنتهى الشفافية وتنقل الأحداث الهامة والجوهرية مباشرة إلى جميع من له صلة سواء الشعب أو ذوو المصالح الأخرى، ولهذا كرست الحوكمة طريقة التعامل الشفاف الذي تقوم على أساسه تنظيمات وسياسات تناهض الفساد الإداري وتحديد مستوى المسؤولية لتلك القرارات.

وفي الدول التي لازالت تعاني قدراً كبيراً من الفساد الإداري الحكومي بسبب طريقة التشريعات ومستواها في مجال التنفيذ الذي قد يقتصر على فئات دون أخرى، تجعل من بيئة الأعمال في مستوى طارد وليس في مستوى طموح المتعاملين والمستثمرين الذين يبحثون عن الأمان في التعاملات المالية، وذلك لضمان رؤوس الأموال المستثمرة وحجم الإيراد المتوقع لتلك الاستثمارات.

ولاشك أن العائق أمام تطوير الأسواق المالية العربية هو مستوى بيئة الأعمال مما يجعلها غير آمنة بشكل كاف حتى يتم استقطاب وجذب مزيد من الاستثمارات، على الرغم من كم الفرص الموجودة بمختلف القطاعات والواعدة بعوائد مجزية تجعلها هدفاً من قبل المستثمرين الأجانب الباحثين عن تلك الفرص.

اقرأ أيضا: "هيكلة رأس المال" في ظل الأزمات

ترتفع المخاوف في التعاملات البينية للدول العربية مع الدول الغربية في مستوى التعامل غير المضمون في كثير من تلك الدول عبر عدم ضمان خروج الأموال أو إدارتها، التي قد تؤول بقوانين مجحفة للغير كما حدث في أكثر من مناسبة، ويعتبر ذلك مؤشراً لمقدار الثقة الذي يجب أن تقوم على أساسه تلك التعاملات.

وبما أن انعكاس مستوى التعامل العام للدولة يبدأ في البورصة، فإن الشركات المدرجة تعتبر بمثابة مقياس لمقدار الثقة التي من الممكن أن تصل إليها التعاملات المالية ورفعها لمستوى يصل لقطاعات متفرقة، ولهذا فإن تعزيز الحوكمة من خلال تنفيذ أهم مبادئها سيعطي أبعاداً هامة للاقتصاد المحلي.

اقرأ أيضا: دور الإعلام الاقتصادي في البورصات

واهتمت الدول الخليجية بتطوير تعاملها في حوكمة الشركات لتقوم على أثرها بتشريعات هامة تنفذ على فترات زمنية محددة لتسعى أن تكون في بداياتها الحالية مع الأخذ بعين الاعتبار التجارب السابقة وطرق الاستفادة منها من تلك الدول التي طبقت الحوكمة منذ فترة زمنية طويلة أدت إلى رفع مستويات الثقة بتلك القطاعات والشركات على حد سواء.

النموذج الغربي لا ينفع للتطبيق عربياً
ومن النماذج الهامة للحوكمة تلك المستوردة من الدول الغربية، وبطبيعة الحال فإن تحويلها لتكون ذات أبعاد عربية أو محلية يحتاج إلى جهد مضاعف، لكنه لا يمكن أن يؤخذ بذلك النموذج من غير أن يُغيَّر ليتوافق مع الحالة العربية التي تختلف في التطبيق ومدى قابلية المجتمع لذلك التطبيق.

اقرأ أيضا: البورصات العربية ونظيراتها العالمية

كما تقتضي الحاجة إلى أن يتم تطبيق مبادئ الحوكمة على الجهات الأخرى في البورصة، بما فيها الجهات الرقابية التي يجب أن تكون تلك القدوة في اتباع أصول التعامل المهني عالي التطبيق ليرفع بذلك من مستوى الثقة المطلوبة لكافة أركان التعاملات في البورصة.
وتنطلق الحاجة الماسة لتطبيق الحوكمة في البلدان العربية وبورصاتها وذلك لما فقدته تلك الجهات من مصداقية قد تكون إلى حد كبير لظروف استثنائية خارجية ليس بالمقدور السيطرة عليها مثل الأحداث السياسية والتقلبات الجيوسياسية والآثار الناجمة عن التقلبات الاقتصادية العالمية.

(خبير مالي كويتي)
المساهمون