حوار مصري لا طائل منه

02 يونيو 2017
+ الخط -
* ما أسباب حملة الاعتقالات الشرسة في مصر لبعض النشطاء وأعضاء الحركات الشبابية وبعض شباب الأحزاب التي لا تزال محسوبةً على ثورة على بعض الأحزاب المرتبطة بثورة يناير وضد يناير؟ ولماذا هذا التوقيت الذي يسبق الزيادة المتوقعة في أسعار الوقود والكهرباء والسلع الغذائية، والذي يتزامن كذلك مع تجمع بعض المجموعات الشبابية حول المحامي الحقوقي خالد علي، واستعدادهم لدعمه في الانتخابات الرئاسية "المحتملة"، على الرغم من يقينهم المسبق من أنها محكومة وسابقة التجهيز؟
** لا توجد أي حملات شرسة أو مذعورة كما تزعمون، إننا نطبق القانون على شبابٍ خالف القانون، ويقوم بالتحريض على الإنترنت، فالتظاهر مجرّم بالقانون المصري، والتحريض على التظاهر جريمة طبقا للقانون، وإهانة رموز الدولة مجَرّمة طبقا للقانون.
* ولكن هذا استمرار للقمع والاستبداد، وهذا ما يزيد الاحتقان، والاحتقان سيولد الإرهاب، وعدم وجود متنفس سيؤدي بالشباب إلى طريق تنظيم داعش، فكيف تزعمون أنكم تحاربون "داعش" وأنتم من تدعمونه عن طريق زيادة القمع؟ وماذا عن تطبيق القانون على مظاهرات التأييد والمبايعة؟ وماذا عن تطبيق القانون على المحرّضين ضد رموز المعارضة؟
** نحذّركم من التظاهر والفوضى، نحن بلد ديمقراطي، بل نحن واحة الديمقراطية في العالم، من حقك أن تعبر عن رأيك، ولكن طبقا للقواعد الموضوعة، فالممارسة السياسية مكفولة، ونحن لا نضطهد أحدا، ولكن هناك من يخالف القانون.
*ولكن، يا سيد، هذا كلام غير حقيقي، فالديمقراطية هي الديمقراطية، ليست مجرد إجراءات شكلية، بل إن احترام حرية الرأي والتعبير والانتقاد، وكذلك احترام الأقليات، من أسس الديمقراطية وقواعدها، وما تدّعون أنه ديمقراطية ليست له علاقة من قريب أو بعيد بالقيم المعروفة للديمقراطية، فالعمل السياسي محظور، والانتخابات معدّة، ومعروفة النتائج مسبقاً، والمعارضة البناءة هي المعارضة الصورية.
** من قال هذا، لا يوجد قمع كما تزعمون، إنها فقط إجراءات ضرورية لحماية الدولة
المصرية، وهذا هو عملنا، حماية الدولة من المؤامرات الداخلية والخارجية.
*ولكن القراءات عن التجارب الحديثة للشعوب تقول إنه بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان تتقدم الشعوب، فالدول المتقدمة الصناعية التي تستوردون منها كل شيء من الطعام حتى السلاح والتكنولوجيا، هي التي تحكمها أنظمة ديمقراطية، والتي فيها شفافية واحترام لحقوق الإنسان، أما الدول التي تحكمها أنظمة استبدادية، وتغيب عنها قيم الديمقراطية، فهي الدول التي تنتقل من تخلف إلى تخلف.
** أنتم الذين ترغمون في النماذج الغربية والقيم الغربية لا تناسبنا، الديمقراطية هي التي يجب على الغرب أن يتعلم منها.
* ولكن، يا سيد، كل أنظمتنا القانونية والإدارية بل والحياتية هي، في الأصل، أنظمة غربية، فكرة الدولة القومية وأنظمة الحكم الحالية أصلها غربي، وفكرة السلطات الثلاث أصلها غربي، البرلمان، شكل الحكومات، التشريعات التي تحكمنا والنظام القانوني والقضائي عندنا هو نسخة من النظام الفرنسي. إننا نأخذ منهم بعض الأشياء، ونشوهها ونقطعها من السياق، لماذا تستوردون كل شيء من الغرب، ما عدا قيم الشفافية والمحاسبة واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية، على الرغم من أن لها دوراً كبيراً في تقدمهم.
** ومن قال ذلك؟ إننا أكثر ديمقراطية واحتراماً لحقوق الإنسان منهم.
*ولكن إغلاق المجال السياسي والمجال العام هو الذي يقتل الأمل في أي تغيير سلمي، وهو الذي يقود البعض إلى التطرّف والإرهاب، إغلاق المجال السياسي والعام هو الدعم الرئيسي للإرهاب.
** ومن الذي يقول إن المجال السياسي أو المجال العام مغلقان؟ إنهما مفتوحان أكثر من اللازم، ولدينا رئيس منتخب، ولدينا برلمانٌ منتخب، أنتم الذين تقاطعون الانتخابات في كل مرة، لماذا لا تشاركون وتحاولون التغيير من داخل النظام.
* وماذا عن الاعتقالات والملاحقات الأمنية والأحكام، أنتم الذين تسدّون أي طريق للتغيير من داخل المنظومة، لا أمل مع انتخاباتٍ صورية وإجراءات شكلية. ولكن، ألا تقلقون من كل تلك المظالم؟
** لا توجد مظالم، نحن لا نظلم أحدا، إنه القانون، ومهمتنا أننا نطبق القانون.
* حسنا، لِنُعِدْ صيغة السؤال.. هناك شباب أبرياء يتم القبض عليهم بتهم غير حقيقية، ويقضون سنواتٍ من عمرهم في حبس احتياطي في السجون المصرية، التي تعتبر من أسوأ السجون في العالم، ويتعرّض بعضهم للتعذيب، أليس هناك أي قلق من ردة الفعل؟ أليس هناك قلق من زيادة الميل إلى العنف والانتقام؟ ألا توجد أي دراسات لديكم عن تجنيد الشباب داخل السجون، وزيادة الرغبة في الانتقام؟ أليست هناك أية دراسات حول الغضب الذي يزداد في أوساط عائلات المعتقلين وذويهم وأصدقائهم؟ ألا تفكرون في معاناة الأسرة، الأطفال؟
* ليس لدينا معتقلون، لا نطبق إجراءاتٍ استثنائية، هناك محبوسون ومسجونون بحكم القانون، ولا يوجد تجنيد في السجون، ولا يوجد تطرّف في السجون، ولا خوف من تحول مشاعر الأهالي ضد نظام الحكم أو زيادة الرغبة في الانتقام، فمن نستشعر تحوله أو نقمه على نظام الحكم من حقنا حماية الدولة وتطبيق القانون وحبسه، مهما زاد العدد.
* ولكن بذلك ستزداد السجون ازدحاماً ومعاناة.
* لا توجد مشكلة، عندما تزداد السجون ازدحاماً سنبني سجوناً أخرى. يتطلب الأمن القومي
فعل كل شيء وأي شيء.
كل من يسعى إلى قلب نظام الحكم إرهابي، وكل من يسعى إلى تنظيم المظاهرات فهو بذلك يسعى إلى قلب نظام الحكم وهدم الدولة، حتى لو بدون قصد. لذلك هو أيضا إرهابي، وكل من يدافع عن "الإخوان المسلمين"، أو حتى يساعدهم ولو بشكل غير مباشر عن طريق الحديث عن حقوق الإنسان وحقوق السجناء، فهو أيضا إرهابي عدو الوطن، وكل من ينتقد أو يكتب تويتات وتدوينات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار فهو إرهابي يساعد الإرهابيين، ولكن الممارسة السياسية مسموح بها، ونحن أعظم ديموقراطية في المنطقة، ولا يوجد لدينا ديكتاتور في مصر.
* إذن فهذا الحوار لا طائل منه.
ولكن لا تتناسوا أن الضغط يولّد الانفجار، وأنكم من تغلقون أبواب التغيير السلمي، فكل من ينتقد عبد الفتاح السيسي على الإنترنت يتم اعتقاله بعدها بساعات قليلة، ويتم التضييق على الأحزاب السياسية أو تفجيرها من الداخل. إذا كانت هناك فعلاً حرب على الإرهاب كما تزعمون، فلماذا التضييق ومحاصرة الأحزاب والحركات الشبابية التي ترفض العنف وتنتهج السلمية؟
لا تتناسوا أن الحكام يرحلون، وأن أنظمة الحكم غير دائمة، وأن الشعب هو الذي سيبقى، وأن المظالم لن تنسى.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017