حملة مكافحة الفساد في السودان... هل تكون جدية؟

19 ابريل 2019
تعاميم تشدد على مراقبة حركة الأموال (فرانس برس)
+ الخط -
تضع التركة الضخمة من ملفات الفساد التي خلّفها نظام عمر البشير، الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، أمام تحدٍ كبير في نفض الغبار عن الصفقات التي تمت تغطيتها بالتسويات سابقاً.

وأبرز التحديات، ستكون محاسبة المخالفين ضمن حملة تم إطلاقها ضد "القطط السمان"، وسرعة البت في القضايا، واستعادة الأموال العامة المنهوبة.

وتنوعت أشكال وأنماط الفساد، طيلة الأعوام الماضية، خاصة المرابحات الصورية، والتلاعب في النقد الأجنبي المخصص لاستيراد الأدوية، إضافة إلى الشركات الوهمية التي أُطلقت خصيصاً لتمرير صفقات الفساد، وكذا التلاعب في حصيلة الصادرات والمضاربة بها في السوق الموازية.

يضاف إلى ذلك، فساد الشركات الحكومية، والتجاوزات في الإعفاءات الضريبية والامتيازات، والقيام بالمعاملات التجارية خارج النظام المصرفي، والتلاعب في السلع الاستراتيجية كالسكر وغيره.

وقال رئيس الآلية السابقة لمكافحة الفساد، الطيب أبو قناية، لـ"العربي الجديد"، إن الآلية تلقّت إبان عملها العشرات من الشكاوى والبلاغات والمعلومات الضخمة حول الفساد، وتمتلك مستندات تؤكد ذلك، غير أنه لم يتم البت فيها، بسبب تعطيل قانون مكافحة الفساد سابقاً من قبل المجلس الوطني (البرلمان).

وأشار أبو قناية إلى أن محاربة الفساد ليست مهمة مستعصية، داعياً إلى الحسم في القضايا، وعدم التسامح مع الفاسدين أو محاباتهم، ووقف التدخل لإيقاف سير الإجراءات التي تطاول المخالفين.

وتبنّت الحكومة السابقة حملة رئاسية للقضاء على الفساد، في فبراير/شباط الماضي 2018، بدأت من داخل جهاز الأمن والمخابرات. غير أن عدداً كبيراً من الموقوفين على ذمة التحقيقات أطلق سراحهم بالتسويات. كما أنشأت حكومة البشير، في إبريل/نيسان 2018، محكمة مختصة بجرائم الفساد وأحالت إليها 60 قضية، لم يتم البت في غالبيتها.

وقال المستشار الاقتصادي هيثم فتحي، لـ"العربي الجديد"، إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمحاربة الفساد عبر إنشاء آلية لمكافحة الفساد ومفوضية قومية وأخيراً محكمة مختصة، أطالت إجراءات المحاسبة، ولم تسترد إلا القليل من الأموال الفائتة، ولم تصادر ممتلكات عينية. ودعا الحكومة الجديدة إلى تفعيل قانون "من أين لك هذا"، مطالباً بعدم استثناء أي شخص، مهما كان نفوذه ومكانته، من المحاسبة.

ولفت رئيس منظمة الشفافية السودانية، الطيب مختار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة أن تبدأ القيادة العسكرية الحاكمة في مكافحة الفساد في مؤسسات وشركات الحكومة، باعتبارها سببا رئيسا في الأزمة الاقتصادية التي يمر بها السودان، وتشويه المنافسة، ورفع أسعار كافة السلع، ودخولها في الأسواق عبر الوساطة والوكالة، مستفيدة من الامتيازات والإعفاءات.

وشدد على ضرورة إعادة فتح ملفات الذين اشتبه في تورطهم في الفساد، في إطار الحملة السابقة على القطط السمان، والذين أطلق سراحهم بالتسويات خارج الإطار العدلي والقانوني.

وأصدر البرهان قراراً هذا الأسبوع بمراجعة بنك السودان المركزي لحركة الأموال، اعتباراً من الأول من إبريل/نيسان، والإبلاغ عن أي حركة كبيرة أو مشبوهة للأموال عبر المقاصة أو التحويلات. ودعا المصرف المركزي إلى حجز الأموال التي تكون محل شبهة، وإبلاغ السلطات المختصة عنها.

واستجاب البنك بالفعل، يوم الأربعاء، عبر تعميمين منفصلين وجّها إلى المدير العام لسوق الخرطوم للأوراق المالية ومديري عموم المؤسسات المالية، لمراقبة نقل ملكية أسهم المصارف والمؤسسات المالية، وإيقاف عمليات النقل الكبيرة أو غير الطبيعية، وكذا مراقبة حركة التحويلات، وتجميد العمليات المشكوك فيها فوراً.

وقال مدير سوق الخرطوم للأوراق المالية، أزهري الطيب الفكي، لـ"العربي الجديد"، إن السوق بدأت، منذ الثلاثاء الماضي، في تنفيذ إجراءات إيقاف التداول في الأسهم، لمنع أي جهة أو فرد من تحويل أسهمه بصورة سريعة وفورية، خاصة العمليات الكبيرة، حفاظا على الأموال العامة.

في حين دعا المسؤول المصرفي السابق محمد عبد العزيز، المجلس الحاكم وبنك السودان المركزي، إلى ضرورة تتبع حركة الأموال والتحويلات التي تمت خلال الأسبوع الماضي من عمر الحكومة، متوقعاً هروب كميات ضخمة من الأموال للخارج، خاصة من الشركات التابعة للنظام السابق، ورجّح أن يكون بنك السودان على علم بحركة هذه الأموال ويمكنه استردادها.

ولفت مدير صندوق ضمان الودائع المصرفية، عبد القادر محمد أحمد، إلى أن تأخر القرار أسبوعا كاملاً بعد تولي المجلس العسكري رئاسة البلاد قد يكون مهّد السبل لإخراج الأموال من البلاد، معتبراً أن التطور المصرفي سهّل عملية التحويلات المصرفية والحسابات عبر الهواتف الذكية، مما يصعب من مهمة متابعة حركتها.
ودعا قيادة المجلس العسكري إلى إجراء تعديلات فورية تطاول قيادات بنك السودان والوحدات الإيرادية في الدولة، والتي عيّنها النظام السابق في الضرائب والجمارك، حتى لا تؤثر على انسياب أموال الدولة إلى خارجها. وكشف تقريرٌ لمنظمة الشفافية السودانية عن عدم تضمين 83 في المائة من الشركات الحكومية إيراداتها في المُوازنة العامة.
المساهمون