حمدين بعدما سلّم المفاتيح

17 أكتوبر 2015
+ الخط -
كان يتحرك في الشارع بكامل عضلاته، وعلى شاشات الفضائيات بكامل وعيه الطبقي، وفي المجتمع ومنتدياته المسائية بكامل هندامه، فظن الناس أن ابن عبد الناصر الروحي طبخته الأقدار الثورية على نارها خلال أربعين سنة، في كتمان شديد حتى انفجرت الثورة. قال: سأجعل أم خالد سعيد أول الداخلين والداخلات إلى قصر الرئاسة. قال: سأجعل لكل فقير الحق في قطف ثمار بلاده قبل الغني، وسأحاول جاهداً أن أضمد جراح الفقراء الذين أعطوا لهذا الوطن خلاصة أكبادهم.
كان موضع إجلال محمد حسنين هيكل وبهاء طاهر، في كل شاردة وواردة، وكان فرس رهان النخبة من أطيافها الناصرية واليسارية كافة، وحتى الفوضوية الثورية (البلاك بلوك مثلاً)، وشغالات عسل المجتمع المدني والتمويل الأجنبي، حتى الكنيسة لم تحرمه بعض الوداد، قبل أن يتضح الخيط الأبيض من الأسود من الفجر، فكان في الأعياد أول الزائرين والمباركين.
كان مع عبد الحكيم عبد الناصر كتفاً بكتف، وكان عند عبد الحليم قنديل بمثابة رسول العناية الإلهية للناصرية، وبمثابة مفاتيحها السبعة، وفقا للحتمية والضرورة وإعادة الموازين، في بداية الألفية لجماهيرية الخلاص الشعبي، ودكّ عنق طغاة التجبر في أميركا، وكل من لفّ في فلكها. وأتذكّر، أيضاً، أن تعاركت زوجة سمير شكاوي مع زوجتي، حينما قالت لها زوجتي بكل سذاجة وطيبة: هندّي أبو الفتوح، فقالت لها: يا هبلة، ده كأن عروق عبد الناصر بتنفر في رقبته. الغريب والمضحك أيضا أن بعد خروج أبو الفتوح وحمدين من المنافسة، وانحسارها ما بين الرئيس محمد مرسي وأحمد شفيق، عادت النخبة ونخبة النخبة ثانية إلى حجر أحمد شفيق وحضنه، بكامل الشفافية والإخلاص للدولة المدنية (طبعاً)، إلى درجة تطوّع كاتبةٍ أتت من كندا خصيصاً، ولفّت كل قرى مصر وصعيدها، لتوضيح مفهوم الدولة المدنية، وأنشأت موقعاً أسمته (الدولة المدنية)، وصارت الدولة المدنية مثل مسمار جحا تماماً، وتجمعت النخبة حول شفيق، ومن ورائه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته، كبنات عبد الناصر وجيهان السادات واتحاد الكتاب إلخ إلخ. هنا بدأ الفأر يلعب في عبّي، وبدأت كل تكتيكات حمدين تأخذ منحى آخر أكثر غرائبية، وكأن هناك حسبة أخرى، تداعب الأفق وتلعب فيه. حسبة غامضة، لكنها محروسة بكل وجوه الدولة القديمة بمنتفعيها كافة، حتى جاء مرسي، فبدأت صواميل الرجل في الفك، وزادت مؤتمراته، واستعان بالبودي جارد، وحوّل (جيكا) إلى مسيح، وليس لأحد حمل خشبة (جيكا) إلا حمّال الفقراء حمدين.
هنا، تحولت ثورة حمدين من الثورة على النظام القديم، ناهب الفقراء، إلى الثورة على مرسي، وكأن مرسي ابن الفقراء هو الذي قتل، وهو الذي سرق، وهو الذي هتك العرض، وهو الذي أمر بكشف العذرية، وهو الذي استورد السرطان للبلاد، وهو الذي سرق الأراضي، وهو الذي حكم البلاد ثلاثين سنة بقانون الطوارئ، في الخفاء من وراء ظهر حسني مبارك، وهو الذي حرق قطار الصعيد وعبّارة البحر الأحمر، وحتى هو سبب ظاهرة أطفال الشوارع وشمّ البنزين، وهو الذي يقوم بجلب المخدرات وزراعة البانجو. هنا بدأ الفأر لا يلعب في عبّي فقط، بل كان الفأر نفسه قد كبر وسمن، ويأكل معي في الطبق من الطماطم والجرجير.
المهم أن الغامض انكشف، ومرسي وراء القضبان، وشفيق لم يرجع من عمرته، وكل الغامض اتضح، والسيسي ظهر، فأدار، في سرعة البرق، عبد الحكيم عبد الناصر وعبد الحليم قنديل وبهاء طاهر وهيكل وجيهان السادات وهدى عبد الناصر، كامل ظهورهم لابن عبد الناصر الروحي، وتوجهوا إلى الباخرة الجديدة ومن فيها، وتغير الخطاب، من تركة ناصر والفقراء إلى الرئيس الضرورة، فبدأ حمدين من يومين في لعبة جديدة، وهي قيادة المعارضة، وهذا هو باب الضحك والهزار، بعدما دخلنا في برنامج (ساعة لقلبك)، ويكفيك الله شر اليد البطالة، خصوصاً بعد تسليم المفاتيح.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري