حل مقترح لحرب اليمن

05 نوفمبر 2015
حرب اليمن..هل تحسم ميدانيا أم على طاولة المفاوضات؟(فرانس برس)
+ الخط -
العاصفة التي هبت في بحر العرب، وسجلت رقماً قياسياً، من حيث الشدة وسرعة الرياح وكمية الأمطار، تفتح على المتأمل أفكاراً كثيرة حول هذا البلد العربي، الذي تنحدر من أقوامه وعشائره الكثرة من أبناء الوطن العربي الكبير.
ولولا الجبال العالية في الجنوب، لاكتسبت العاصفة قوة على قوة، ولطاولت كثيراً من مدن اليمن وقراه بالدمار والخراب والموت فوق الموت الذي تتسبب به الحروب والفتن الدائرة فيها.
أعلن ناطق رسمي باسم الحكومة في المملكة العربية السعودية عن قرب تحقيق العملية العسكرية التي يقوم بها التحالف ضد الحوثيين. وبذلك، شارفت هذه العملية على الانتهاء.
ولكل حرب تكاليفها وأكلافها البشرية والمادية على جانبي القتال، فاليمن نفسها شهدت خراباً وتدميراً لكثير من بناها التحتية، وأوغرت الفتنة صدور الناس في اليمن على بعضهم، فالحوثيون خصوصاً، والزيديون عموماً، ما عادوا يرون في أهل اليمن من السنّة ما كانوا يرونه في السابق، والعكس صحيح، إن لم يكن أكثر حدة.
ولذلك، أصبح اقتراب القتال من النهاية، خصوصاً بعد قبول الجانب الحوثي الدخول في التفاوض أمراً أقرب إلى التحقق مما كان عليه قبل أسابيع، أو حتى أيام.
وفي الجانب الآخر، تكبدت اقتصادات دول الخليج المشاركة في التحالف خسائر كبيرة في كلف الحرب، وترتيب الأمور على الأرض، وتعويض أهل الذين سقطوا في القتال في أثناء أدائهم واجباتهم العسكرية، لكن الكلفة الأكبر هي التي ترافق حدوثها مع الحرب في اليمن، فقد تراجعت أسعار النفط، وتراجع معها باستمرار الطلب على هذه السلعة، ما ضرب الإيرادات من النفط مرتين.
وكذلك، تراجعت الأسواق المالية العالمية، وتقلبت أسعار العملات، ما أدى إلى خسائر في رأس المال المستثمر في هذه الأسواق.

وبفعل استمرار الحرب مدة طويلة، واحتمالات استمرارها وقتاً طويلاً، ما لم يقبل الطرفان بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، فإن الأكلاف مرشحة للتصاعد إلى حدود غير مطمئنة، وإلى التأثير على مستوى المعيشة وفرص العمل في دول الخليج خصوصاً، والجزيرة العربية، ومعها دول عربية أخرى كبيرة.
ومن هنا، السؤال الذي يثور: كيف ستبدأ عملية التفاوض؟ من هم الذين سيحضرون؟ ومن هو عريف الحفل؟ وأين يكون التفاوض؟ وقد طرحت هذه الأسئلة على نفسي، حتى أشارك القراء الكرام المقترحات التي أراها.
بدء العملية ممكن، لو دعت جهة محايدة مقبولة من الطرفين، وقادرة على التفاهم معهما، إلى ذلك المؤتمر. وأقترح، هنا في هذا المجال، ألمانيا التي شاركت في المفاوضات النووية مع إيران، بجانب أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وهي دولة مقبولة. وإن أبدت رغبة في لعب هذا الدور، فأعتقد أنها قادرة على التخاطب مع كل الجهات ذات العلاقة، مثل المملكة العربية السعودية، وإيران، والولايات المتحدة، والعواصم الأوروبية، وعاصمة الإمارات العربية المتحدة، والدوحة عاصمة قطر، وموسكو عاصمة روسيا. وفي هذه الحالة، تمنح ألمانيا دور العريف داخل غرفة التفاوض.
ولضمان نجاح العملية التفاوضية، تقتضي الضرورة، في البداية، فتح حوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

اقرأ أيضا: "تشابالا" يعصف بالبنية التحتية لليمن

وقد يبدو هذا الاقتراح صعب المنال، فما بين الجانبين من سوء ظن وأسباب للمعاتبة والتلاوم كبير. لكنني أرى أنهما دولتان مهمتان في المنطقة، ويقوم القرار السياسي فيهما على أسس واعتبارات متشابكة معقدة.
ولنقلها بصراحة، إن كلا الطرفين سيستفيد من هذا اللقاء، فإيران يجب أن تقدم للعالم ما يثبت ما تدعيه دائماً أنها دولة تحب السلام، وتحترم كرامة الدول وسيادتها. وتدخلها في اليمن لا يحقق لها مصالح مباشرة، لكنها تستفز بذلك التدخل دول الخليج، وخصوصاً المملكة العربية السعودية. وإن فعلت إيران ذلك، فإنها تكون قد مهّدت الطريق لتسريع إنجاز سلام في ربوع سورية والعراق ولبنان.

ومن ناحية السعودية، سوف يساهم قبولها بالتفاوض مع إيران بمبادرة ألمانية في إنهاء العمليات العسكرية، وتسريع الوصول إلى تفاهمات بين أطراف القتال في اليمن، ويضع حداً لهذه الحرب المكلفة، ويعيد الوحدة إلى صفوف "أوبك"، ما يمكنها من تنظيم سوق النفط بشكل أفضل.
أما مكان الاجتماعات، فأرى أن عمّان عاصمة الأردن هي البلد الأفضل، فهي مقبولة لدى كل الأطراف، وتستطيع الدبلوماسية الأردنية أن توفر المناخ الصحي لاستمرار المفاوضات.
ولعل انعقادها في بلد عربي أفضل من انعقادها في بلد أوروبي، مهما كان محايداً. وإذا وصلت الأمور إلى مرحلة التفاوض المفتوح بانضمام كل الأطراف ذات العلاقة، وضمن حدود بحيث لا يخرج التفاوض عن السيطرة بكثرة المشاركين، فإن الأطراف التي تدعى هي الطرفان اليمنيان من الحكومة والحوثيين، والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وقطر، وإيران، ومندوبون عن الولايات المتحدة وروسيا والأردن. هذا عدا عن ألمانيا بصفتها المشرف على المؤتمر.
هذه الأفكار قابلة بالطبع للتعديل، لكن المطلوب الآن سرعة التحرك لإعطاء الأمل بتغيير وجهة الأمور من الاستغراق في حرب دموية طويلة المدى، وذات أبعاد سلبية كبيرة على المنطقة إلى ديناميكية سلمية، تؤدي، في نهاية الأمر، إلى حسم الأمور على الأرض.
ولعل عبثية هذه الحرب إن استمرت أنها لن تفضي إلى فوز أو خسارة. وإذا توصل الجانبان إلى مرحلة الإنهاك، فقد تهدأ الأمور لتشتعل من جديد، أو تتحول من معركة عسكرية إلى معركة أمنية قد تطول.
ومن المفروض كذلك أن تنهي المفاوضات حرباً صار بعض المغرمين بإذكاء كل ما هو سلبي في تاريخنا إلى تسمية هذه الحرب بحرب القيس واليمن. وكأننا في هذا العالم العربي بحاجة إلى مزيد من الفتن والكوارث وعوامل التغريب والقسمة.
إننا بحاجة إلى قصة نجاح واحدة في المنطقة، تضع نهاية لهذه الحروب المجنونة، وتنازلات تبديها الأطراف المتصارعة داخل غرفة التفاوض، أقل ضرراً بكثير من خسائر استمرار الحرب الكارثية في اليمن.

اقرأ أيضا: الحوثيون يسطون على الزكاة والتبرعات في اليمن
المساهمون